شييك: أحمد جمال
" أنا عايش.. أنا عايش"، خرجت تلك الكلمات من فم طفل صغير، وهي تزف في ظاهرها فرحة عارمة بالنجاة من الموت، غير أن ظهور ملامح ذلك الطفل التي رصدتها عدسة الكاميرا؛ أظهرت وجها صغيرا قد امتلأ رعبًا وفزعًا من هول ما تعرض له، ويبدو أن هذا المسكين لم يصدق أنه لا يزال من أهل الدنيا، حيث توقفت عجلة الزمن أمام عينيه، ثم أفاق فجأة من غفلته ليجد جسده الضئيل يطير بين أيادي منقذيه، فنطق حينها بتلك الكلمة المؤثرة."أنا عايش" .
مقطع الفيديو المنشور لا يتجاوز 10 ثواني تداوله نشطاء عبر مواقع التواصل الإجتماعي فيسبوك وتويتر مع تعليقات توضح أن ذلك الطفل ضمن الناجين من كارثة درنة شرق ليبيا، بعد أن غمرتها مياه الفيضانات التي أودت بحياة الآلاف من سكانها، فيما لا يزال آلاف الأشخاص في عداد المفقودين.
فما حقيقة هذا الفيديو؟
رصد معد التقرير مقطع فيديو قصير نشر بتاريخ 14 أيلول 2023 على تويتر وفيسبوك وحصد على أكثر من 7 آلاف مشاهدة حتى - وقت كتابة التقرير - هنا - هنا - هنا - هنا - هنا - هنا -هنا - هنا، ويرصد ذلك المقطع طفلًا صغيرًا في السن، يردد جملة "أنا عايش" أثناء إنقاذه فيما يبدو من أسفل ركام أحد المنازل في مدينة درنة الليبية، التي تعرضت لأول مرة لكارثة دمرت الكثير من أشكال الحياة، بسبب السيول الفيضانات على إثر الإعصار «دانيال»، هنا - هنا - هنا - هنا - هنا - هنا - هنا.
حقيقة الفيديو
بتحليل مقطع الفيديو، تبين أن لهجة الطفل ليست اللهجة الليبية كما أن المقطع لا يُظهر أي معالم لمدينة درنة المنكوبة، وخلال البحث العكسي تبين أن المقطع حدث فعلا لكن في مدينة نابلس الفلسطينية ولا علاقة له بكارثة ليبيا.
وخلال البحث وجدنا أن وكالة أنباء سما الفلسطينية، نشرت خبرًا بتاريخ 13 أيلول الجاري بعنوان "بالفيديو: إنقاذ طفلين سقطا في حفرة امتصاص شرق نابلس"، جاء في مضمون الخبر أن "طواقم الإنقاذ في إطفائية بلدية نابلس، انتشلت طفلين من داخل حفرة امتصاص للمياه العادمة شرق نابلس"، موضحا أن "عمق الحفرة بلغ 8 أمتار لإحدى البنايات في شارع القدس شرق المدينة"، وأشار إلى أنه "تم تحرير الطفلين وإخراجهما من داخل الحفرة بسلام، باستخدام المعدات الخاصة للتعامل مع مثل هذه الحوادث، والطفلين بحالة جيدة"، وتم توثيق الواقعة بمقطع الفيديو الذي يرصد لحظة خروج أحد الطفلين من الحفرة وهو يردد جملة "أنا عايش".
طفل فلسطيني
وبالعودة إلى صفحة إطفائية بلدية نابلس على فيسبوك بتاريخ 13 أيلول 2023 تبين أنها نشرت مقطع الفيديو المتداول معلقة عليه؛ "(عايش ... أنا عايش) هذا ما قاله أحد الأطفال بعد انقاذه من قبل رجال إطفائية بلدية نابلس من داخل غرفة امتصاص بعمق 8 أمتار في شارع القدس في نابلس". وتبين أيضًا أن المقطع الصحيح تداوله أكثر من مصدر أخر هنا وهنا وهنا.
تفاعل واسع
وكان قد تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع المقطع المتداول على نطاق واسع على أنه لحظة إنقاذ طفل يدّعي ناشروه أنه في مدينة درنة الليبية، مسجلين تعليقاتهم المتأثرة والمتعاطفة مع الموقف، وجاء من بين تلك التعليقات؛ "أنا عايش كلمتان نطق بهما طفل بعد إنقاذه في مدينة درنة"، و"درنة عملية انقاذ لأحد الأطفال وعندما أخرجوه ناد يصرخ {أنا عايش أنا عايش} أطال الله في عمرك وحفظك الحمدالله ع سلامته أطفال درنة"، و"إنقاذ طفل (أنا عايش أنا عايش) موقف يبكيك من الفرحه درنة تستغيث"، و"أنا عايش أنا عايش.. طفل يصيح بعد إنقاذه في درنة الحمدلله على سلامتك درنة درنة تستغيث".
إذا، يصنف فريق شييك هذا المقطع المتداول على أنه "مضلل"، و الطفل فلسطيني من مدينة نابلس، وليس من مدينة درنة المنكوبة، وتؤكد منصة شييك على ضرورة تجنب مشاركة أو نشر المعلومات المضللة، التي تنتشر بقوة في فترات الأزمات والكوارث.
أنجز هذا المقال بإشراف منصة شييك ، ضمن مشروع "شييك بالعربي " بتمويل من مبادرة الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية Mepi ومؤسسة world learning