شييك : ناهلة سلامة
لم ينته مسلسل حملات الكراهية في لبنان، فمنذ بداية العدوان على غزة والجنوب اللبناني، ازدادت حدة الخطابات بين الأطراف السياسية ولم تنج النساء من هذه الحملات لتحقيق أهداف سياسية في مرمى الطرف الآخر.
وعلى وقع الاختلاف السياسي والديني بين المواطنين، تلعب الحسابات على منصة إكس بأسمائها المختلفة دورا رئيسيا لزيادة حدة الخلاف وبث الفتن ولا تفوت فرصة إلا ونشرت تغريدات تظهر أن لبنان لا يحتمل سوى شكل واحد وطرف سياسي واحد فهل تتحول صفحات السوشيال ميديا مساحة للكراهية وتصوير لبنان كلٌ حسب أجندته السياسية؟
لبنانهم ولبناننا
10452 كلم مربع مساحة لبنان، وطن يصوره بعض مغردوا منصة إكس على أنه أكثر من لبنان واحد، ففي 21 مارس 2024 انتشرت صورة على منصة إكس نشرها حساب الشبكة اللبنانية وهي للناشطة السياسية فاطمة نصار حسبما تعرّف عن نفسها في صفحتها على انستغرام، بجانب صورة ملكة جمال لبنان ياسمينا زيتون معنونة بعبارة لبنانهم- لبناننا ”وقد تضمنت التغريدة عبارة“ مع الاحترام لكل المحجبات لكن الثوب أدناه يمثل إيران وليس لبنان، في الصورة فتاتان من الجنوب واحدة تعشق الموت وواحدة تعشق الحياة
ليعيد الحساب نفسه نشرها في 22 مارس 2024 بتغريدة جديدة تضمنت “1-الشادور لباس إيراني لا ترتديه سوى نساء حزب الله 2- كلا الفتاتين في الصورة هما مسلمتان واحدة تشبه أكثرية اللبنانيات وواحدة تشبه نساء الحرس الثوري الإيراني، لذلك البوست لا يتعرض للحجاب ولا لأبناء الطائفة الشيعية #اقتضى_التوضيح
وبتاريخ 23 مارس 2024 أعاد نشر الصورة ذاتها بعبارات جديدة “في الختام سوف يبقى لبنان الذي يشبه ياسمينا إلى الأبد سوف يبقى بلد الحرية والثقافة والفنون والإبداع والجمال والحياة أما لبنان الذي تمثله أختنا فاطمة فهو ظاهرة مؤقتة تنتهي بسقوط النظام في إيران وهو سوف يسقط سوف يسقط بعد عام بعد عامين او جيل قسما بكل الآلهة والقديسين سوف يسقط وتسقط معه كل أزرعه وكل خرافاته وسوف تنزاح الغيمة عن عقول الناس في إيران والعراق واليمن و... لبنان”
كما انتشرت الصورة في حساب آخر يحمل إسم -حرب 2006 تنذكر ما تنعاد- في 22 مارس 2024 تتضمن عبارة “يا بادل غزلانك بقرود”
التفاعل وإعادة النشر
خلال رصد معد التقرير لمنشور حساب الشبكة اللبنانية وصل عدد المشاهدات إلى 37 ألف و أكثر من ثلاثون مشاركة و206 إعجاب على حساب الشبكة اللبنانية الذي أطلق التغريدة الأساسية. ولاقت التغريدات تفاعلاً على منصة إكس بين مؤيد ومعارض حيث قام عدد من الناشطين والإعلاميين بالتضامن مع فاطمة نصار هنا وهنا وهنا وهنا والرد على المنشور.
بينما هاجمها في المقابل ناشطون آخرون معارضون لخطها السياسي وقد تضمنت تغريداتهم عبارات مسيئة لها ولزيها كما اعتبره البعض رداء الدولة الإيرانية: هنا و هنا و هنا و هنا و هنا و هنا
بدورها ردت الناشطة فاطمة نصار على الحملة المقامة ضدها بتاريخ 22 مارس 2024 بتغريدة تضمنت “بمعزل عن خلفيات الصفحة المشبوهة اللي دائمًا بتحاول تبث الفتن، هيدا الحجاب هو ضمن معتقدي وحاميه دستوري وهو ما بيختلف عن لباس السيدة مريم(ع) والراهبات الاختلاف والتنوع كانوا دائمًا محل تقدير بكل الأديان أمّا العنصرية والتخلف المتمثل بالصورة ما بدلوا إلّا ع الفكر الانعزالي والإلغائي”
الإختلاف لا يحترم التنوع!
وفق مؤشر شييك إن الصورة والعبارات المرفقة معها تعد خطابًا تمييزيًا ضد النساء في كلتا الحالتين، كما عرّض النساء للإهانة في حملته من الطرفين، حيث أراد ناشرها وضع النساء في قالب معين استخدمه كذريعة لإظهار أن لبنان له وجه حضاري واحد، مشيرًا الى أن الحجاب والعباية ليسا من حضارة لبنان بل هي لنساء الحرس الثوري، مغيبًا شريحة كبيرة من اللبنانيين لها دينها ومعتقداتها.
فمن يقرر ماذا يليق بنساء لبنان؟
فاطمة وياسمينا هما أساسًا من الجنوب اللبناني وفاعلات في المجتمع في مجالات مختلفة، وبدل التركيز على القواسم المشتركة بينهما، قرر الناشر إلغاء مساهمات الكثير من النساء على أساس أحقية أي رداء يمثل دور المرأة الحقيقي في الوطن، فمن الواضح أن بث الفتنة كان الهدف الأساسي من التغريدة دون أن يلتفت إلى أن الخطاب التمييزي والعنصري ضد النساء لا يخدم صورة لبنان الحضاري بل يظهره على أنه وطن انعزالي لا يتقبل الاختلاف ولا يحترم التنوع الثقافي المبني على أساسه الدستور اللبناني.
عدوى الطائفية
هي ليست الحملة الأولى التي تقام على أساس ديني سياسي، مؤخرًا انتشر العديد من التصريحات السياسية على لسان سياسيين بثت على المنصات وشاشات التلفزيون وانتقلت هذه الخطابات على مواقع التواصل الاجتماعي مما ساهم في زيادة الشحن الطائفي والتحريض ضد أي اختلاف.
ومن جهة أخرى ان استغلال النساء للترويج لهن في سياق الخلاف السياسي والتكسير بصورة الآخر هو مفهوم خطير يقدم المرأة على أنها أداة تستخدم للدعاية السياسية على حساب كرامتها وحقوقها كإنسانة في المجتمع. فهل ثياب المرأة هنا والتقليل من شأنها سيبني لبنان مجددًا؟
شراكة أم تسليع؟
لطالما وقعت المرأة في فخ التفكير الذكوري الذي يحدد دورها ويرسم لها حدودًا تتحرك ضمنها، والصورة تفسر هذه الفكرة من خلال قولبة النساء إما للسياحة أو للجمال وإن الوطن فقط مركز للترفيه لا يحتمل أي اختلاف!
إن بناء الأوطان يعتمد على الشراكة بين الرجل والمرأة وإتاحة الفرص للمشاركة بشكل كامل بينهما في العمل السياسي والإجتماعي والثقافي الذي يعتمد على التطور الفكري وليس على شكل اللباس والذي هو اساسا يعتبر حرية شخصية.
صفحات تثير الكراهية
بعد متابعة فريق شييك لعدد من الصفحات التي نشرت الصورة وغيرها من الصفحات التي تنشر محتوى موجهًا ضد فريق محدد، كشفت المنشورات أنها الصفحات مترابطة إلى حد كبير وتستخدم عبارات متكررة مثال #لبنان-لا_يريد-الحرب، # صفر_خوف، كما أنها مجهولة الهوية، وأصحابها لا يظهرون بشكل علني أو بأسماء واضحة، وبعد مراجعة تواريخ إنشائها، تبين أن بعضها أنشأ منذ سنوات متبعون ذات الخطاب.
مما يثير التساؤل هنا: هل هناك جهة محددة واحدة تدير حملات الكراهية وتسعى لانقسام الشارع اللبناني؟
ومن خلال تحليل الصفحات تبين أن صفحة الشبكة اللبنانية - تأسست في مارس 2014 عدد المتابعين لها أكثر من 14 ألف متابع منهم عدد من النشطاء المؤثرين على منصة إكس كما أن الحساب بدوره يتابع أكثر من 6 آلاف حساب، أما صفحة حرب 2006 تنذكر ما تنعاد لوحظ أن عدد المتابعين فيها لا يتجاوز 1100 متابع و تأسست في أكتوبر 2021، ومازلت حملة #لبنان_لا_يريد_الحرب تنشط غبر منصات التواصل الإجتماعي وعبر الطرقات منذ بدايتها في أكتوبر 2023،وبدأت صفحة تنظيم ثوار لبنان في يناير 2024 وتجاوز عدد متابعيها أكثر من 4 الاف متابع عبر منصة إكس .
يمكنكم الإطلاع أيضا على تقرير "لبنان لا يريد الحرب".. هل هو شعار يوحد اللبنانيين أم يقسمهم؟
مخالفة معايير إكس
تنص منصة إكس بشكل واضح وصريح حول القوانين الواجب احترامها خلال استخدام الحسابات الشخصية وقد جاء في صفحة قوانين أكس “نحن نحظرُ استهداف الآخرين بإهانات أو إيحاءات متكررة، أو أي محتوى آخر يهدف إلى التحقير من شأن فئة محميّة أو نشر أفكار نمطية سلبية ومؤذية عنها. وفي بعض الحالات، على سبيل المثال (لا الحصر) عند الاستخدام الشديد والمتكرر للإهانات أو الإيحاءات العنصرية أو الجنسية في سياق يهدف إلى مضايقة الآخرين أو تخويفهم، قد نطلب إزالة التغريدة. وفي حالات أخرى، على سبيل المثال (لا الحصر) عند الاستخدام المتوسط وغير المتكرر لها في سياق يهدف إلى مضايقة الآخرين أو تخويفهم، قد نلجأ إلى الحد من عرض التغريدة كما هو وارد أدناه".
إذا، المنشورات التي تداولتها صفحة الشبكة اللبنانية تمثل خطابات كراهية وتمييز ضد ضد معتقدات دينية معينة وتكرار هذه الخطابات يؤدي إلى إهانتها والتقليل من شأنها في المجتمع، لهذا يجب إعادة النظر في الحملات وأهدافها دون المس بكرامة الإنسان وحقوقه في الحماية الشخصية.