سميوزيس الفضاء الأزرق

image
د نعمة العبادي
2023-04-23

كتب : د. نعمه العبادي 

يتيح الفضاء الإلكتروني لمستخدميه فسحة كبيرة لتشكيلة بالطريقة التي يحبون في ظل انخفاض مستوى الإكراهات التي تقيد ذات التشكل في الفضاء الواقعي، فإمكانية التلاعب بالمصداقية والمشروعية السائبة وتسور حدود الممنوع والمحظور وغياب الرقابة القادرة على الردع ووجود إمكانية للاختباء خلف عناوين وأسماء وهمية مع صعوبة التحقق من المعلومات والمدعيات والمجانية وسيولة المساحة، كلها أوضاع تجعل من رسم الواقع في هذا الفضاء أسهل بكثير مما عليه الأمر في أرض الواقع، وينسحب هذا القول، على ادعاء المواقف والعواطف ونسج السرديات فضلا عن المدعيات المعرفية.

إن هذه الأرض الهشة المستندة على طبقات من الزيف تجعل فحص مكوناتها غاية في الصعوبة فضلا عن فهم الأنساق النفسية والاجتماعية والفكرية التي تقف وراء كل تشكل، ومع قطع المعظم بأنها أرض هشة إلا أن لعبة التلهي في هذه المساحة المجانية يجذب هذا المعظم ليكون جزء من خليط يتداخل فيه السليم والسقيم.

تكمن خطورة هذا التشكل المزعوم في زحفه التدريجي إلى أرض الواقع ليقوم بعملية إزاحة بطيئة وزحزحة ما بين العشوائية والمنتظمة لمرتكزات وثوابت الواقع ويجبرها إلى الامتثال لمقولاته وإعادة التشكل على وفقه، فهذا الوهم المختلق يعبر تدريجيا إلى حياتنا، فيعيد رسم الاقتصاد والسياسة والاجتماع وحتى الإبداع والفن والأدب حسب قواعده وعلى وفق منظوره.

إن ربطا مصيريا لكل فعاليات الواقع الحقيقي بخيوط هذا التشكل الموهوم تم بعناية في ظل مقولة أولوية المنفعة التي تتجسد في صور مختلفة، إذ يقوم أساطين جني المنفعة بجعل كل شيء (ماديا ومعنويا) موقوفا وجوده وديمومته على مدى قدرته على التكيف والتوافق والاشتغال في بيئة الفضاء الإلكتروني، وهنا نحن أمام خيار مصيري واحد "إما التكيف وإما الزوال".

لا يمكن الحديث عن وصفات جاهزة يمكنها أن تمد عصا سحرية فتغير هذا الواقع، كما أن فهم وإدراك ما يجري لا يزال أمامه مسافات من التفكير والبحث والنقاش الجاد، وما هذه الأسطر إلا خطوة في طريق هذا الفهم.

د. نعمه العبادي /مدير المركز العراقي للبحوث والدراسات

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي شييك وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً