كتب : د. محمد الضلاعين
يميل الإنسان إلى التنميط في ممارسات حياتية كثيرة، لعل منها إلصاق بعض الأفكار النمطية بأشياء أو مفاهيم أو أشخاص أو شعوب، فعادة ما يتصل الشر باللون الأسود، والخبث بالأفعى، والجمال ببياض البشرة أو شُقرة الشعر، كلها أفكار نمطية لا يوجد لها رابط منطقي بحقيقة الأشياء، ولربما كان الفيديو الشائع عبر العالم لفأر أبيض يضطهد فأر أسود مثالا عالميا يكرس لهذه النمطية، ناهيك عما كان من تعليقات من حول العالم حول هذا الفيديو. ولا خير من التذكير بهتلر وعنصريته البغيضة، فقد جسد مثالا للنمطية بالتفكير بأن رأى تفوق العرق الألماني عما سواه من الأعراق، ورأى أيضا أن ما دونه هذا العرق هي أعراق تتسبب دائما بالمصائب والتوترات الاجتماعية، وكان ذلك قد انتهى باتخاذه ما يعرف بالحل الأخير، إذ سعى لتنحية كل ما ليس ألمانيا وتحديدا كل ما هو يهودي من ألمانيا وأوروبا إلى خارجها، وتبع ذلك ما تعرفون من ويلات الحرب العالمية الثانية.
الأشخاص ذوو الإعاقة فئة مجتمعية ليست بالقليلة عددا وتأثيرا، ولا يمكن تجاهل أن هذه الفئة حالها حال كثير من الأشياء الأخرى في المجتمع محاطة بنمطيات كثيرة، وفي هذا المقال سنتناول النميطات الشائعة عن الأشخاص ذوي الإعاقة وما يُلصَق بهم من نمطيات، تكاد أن تصل في حالات معينة إلى أساطير أو مسلمات ربما يصدقها الأكثرية من الناس. نرى نحن في منصة شييك تقاربا ملحوظا بين رسالتنا في تفنيد ما يشاع هنا وهناك، ومن منظورنا فإن موضوع كهذا يتصل اتصالا وثيقا بمسؤوليتنا منطلقين من مهمتنا الإعلامية في وضع الحقيقة، ولا شيء سوى الحقيقة، أمام المتلقي العربي والغربي.
بدايةً، يرى كثيرون في الأشخاص من ذوي الإعاقة أشخاصا غير قادرين على بذل جهد يكفيهم عن معونة الآخرين. فهم قادرون على تقديم ما يلزم لكي تتاح لهم فرصة في العيش المستقل بعيدا عن التدخلات أو إبداء آراء تدخل في صميم حياتهم دونما احترام لخصوصيتهم أو تقدير لمعنى الحياة المستقلة التي لهم حقٌ فيها سواء بسواء مع نظرائهم من غير ذوي الإعاقة. وهناك الكثير من الأمثلة للأشخاص من ذوي الإعاقة الذين سافروا بين البلاد وقاموا بالكثير دون أن يحتاجوا معينا أو مساعدا أو ما شابه.
ثانيا، يشيع كثيرا وبين العوام والنُخَب نظرةٌ تملأها أفكار مغلوطة عن قوى خارقة يمتلكها الأشخاص من ذوي الإعاقة، فكف البصر أو امتناع الأطراف عن التحرك أو انقطاع الأصوات عن السمع أو ما سوى ذلك لا يجعل بين الشخص من ذوي الإعاقة وعوالم القوى الخفية، إِنْ وُجِدَتْ، أدوات اتصال خاص تعطيهم حُظْوةً ومكانة، فلا تصدق عزيزي القارئ أن الكفيف قادر على شفاء عقمك، أو تزويجك آنستي بعد امتناع الخاطبي، أو إنجاحك بني في الثانوية العامة، أو نقلك إلى عالم الثراء بكشف الدفائن والكنوز.
ثالثا، الأشخاص من ذوي الإعاقة قادرون على المشاركة الفاعلة في أي نشاط، حتى إن كان نشاطا يدخل في إطار المحظورات، فالشخص من ذوي الإعاقة قادر على المشاركة في مجالس إدارة الشركات، وقادر على المشاركة في حفلات الرقص، وقادر على إمامة الناس في الصلاة، وقادر حتى على أن يكون بديلا لإسكوبار. فأرجوك عزيزي القارئ دع عنك فكرة عجز الشخص من ذوي الإعاقة عن القيام بمهام ترى في نفسك المُؤَهَّل الوحيد لها.
رابعا، دع عنك التعميم، فاطلاعك على تجربة شخص من ذوي الإعاقة لا تعني أنها تجربة تنطبق على الجميع، فإتقان كفيف للموسيقى، أو مقعد للرياضة، أو أصم للرسم لا يعني أبدا أن جميعهم يمتلكون ذات الخبرات والتجارب. وقس على ذلك أيضا أن ترى متسولا في شوارع مدينتك من ذوي الإعاقة أمر لا يجب أن يمتد إلى آخرين من ذات الإعاقة.
خامسا، بفضل التكنولوجيا الحديثة، أصبحنا نرى مبرمجين ومهندسين وأطباء وفلكيين من ذوي الإعاقة، فمنهم من يعاني من إعاقات حركية أتاحت له التكنولوجيا المقدرة على استخدام أيدٍ إلكترونية تلج به إلى عوالم الويب، ومنهم من يستخدم قارئات شاشة تحول المحتوى المرئي إلى محتوى منطوق. والتكنولوجيا أيضا تعدنا بالمزيد والمزيد، فأنظمة القيادة الآلية للسيارات تتطور سريعا وتحمل معها في كل حين تجارب ناجحة لم نتوقعها، وكذلك التكنولوجيا على العموم، فلا تعجب عزيزي يوما إن تفاجأت بأن قائد سيارة التاكسي التي طلبتها كفيف. اطمئن فلن تموت، ورحلتك ستكون موفقة وآمنة يقينا.
سادسا، ذوو الإعاقة يحتاجون إلى ما هو أكثر من كلمات الثناء، ويشعرهم بعميق الإهانة إن بادرتهم بإبداء الشفقة، ربما يمرون بتجارب مؤلمة وهذا طبيعي في مجتمعات تقصي المختلف، لكن هذا لا يعني أن نقابل المعاناة التي يمرون بها بالإشفاق، هم يحتاجون إلى ما هو أبعد من ذلك، ربما الدعم والمساندة والتمويل والتشجيع وإبداء الرأي الإيجابي أكثر منفعة من مجرد كلمات التعاطف والإشفاق.
سابعا، وأخيرا، باختلاف تجارب الأشخاص من ذوي الإعاقة تختلف تباعا وسائل تواصلهم فيما بينهم، فلا يقتصر التواصل بين المكفوفين على الكتابة ببرايل أو المراسلات الصوتية، ولا يقتصر التواصل بين الصم والبُكم على لغة الإشارة والإيماءات السرية فيما بينهم، وإنما تتعدد وسال تواصلهم كأي شخص على هذا الكوكب أو خارجه، لذلك عزيزي القارئ وَسِّعْ من نظرتك إلى الأشخاص من ذوي الإعاقة، فلا تحصر نظرتك إليهم بتجربة خضتها أنت، ولا تعمم، فعملا بقول شكسبير: لا يعمم إلا الأغبياء، وأنا واثق كل الثقة بذكائك.
د. محمد الضلاعين
محاضر دراسات الترجمة الفورية والتحريرية
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي شييك وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً
المراجع:
https://www.youtube.com/watch?v=mHO-mSe3mDc
Śmiechowska-Petrovskij, E. (2017, October). The stigmatizing and stereotyping people with blindness. The opposite tendencies. In Forum Pedagogiczne (Vol. 7, No. 2, pp. 305-326).
Silverman, A. M., & Cohen, G. L. (2014). Stereotypes as stumbling-blocks: How coping with stereotype threat affects life outcomes for people with physical disabilities. Personality and Social Psychology Bulletin, 40(10), 1330-1340.