كيف يؤسس الخطاب استقلاليته وسلطته

image
صوره متداولة
2022-05-24

كتبت: ابتسام رمال

يعرف  الفيلسوف الفرنسي تزفيتان  تودوروف الخطاب على أنه "أي منطوق أو فعل كلامي يفترض وجود راوٍ ومستمع وفي نية الراوي التأثيرعلى المستمع بطريقة ما" ،أما الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو فيعرفه على أنه هو السلطة  وأن  الخطابليس أداة في يد السلطة، ولا انعكاسا لها فقط، بل يشكل سلطة في ذاته .وعليه فإن  الخطاب هو  سلطة بحد ذاته تملك القوة ، لذا يسعى المجتمع،  كما يشير إلى ذلك فوكو إلى فرض أشكال مختلفة لمراقبةالخطاب وسلطته. حيث يؤكد أن إنتاج الخطاب في كل مجتمع، هو في نفس الوقت إنتاج مراقبومنتقى ومنظم، ومعاد توزيعه من خلال عدد من الإجراءات التي يكون دورها هو الحد من سلطاته،ومخاطره، والتحكم في حدوثه المحتمل، وإخفاء ماديته الثقيلة والرهيبة"، لذا فمن الطبيعي  أن يخضع إنتاج الخطاب إلى  قوانين المراقبة والانتقاء والتنظيم كونه يندرجتحت بند صناعة الخطاب ،  فهو وسيلة الوصول إلىالسلطة بل هو السلطة لأن كل من وصل إلى السلطة يسعى إلى تطبيق خطابه .

 ولذلك عند دراسة أي خطاب ،فنحن ندرسه من حيث الظاهر دون البحث في المعنى الخفي أو الدلالة الباطنية، ويمكن القول إن كل شي في الفضاء العمومي هو خطاب، فاللوحة خطاب، والأغنية خطاب، والمسلسل والسينما والمسرح والفن  خطابات، والنصوص الشعرية والادبية والقصصية والفكريةوالفلسفية خطابات،وكذلك  البرامج التلفزيونيةبما فيها الإعلان خطابات تهدف إلى تشكيل الوعي لدى المتلقي وحمله  على السلوك وفق رسالة الخطاب ومضمونه ، فهو يدفع بإتجاه تشكيل الوعي الذي يحدد نمط السلوك والموقف من الآخر ، فالخطاب وفق تفسير فوكو  يشكل الوعي الذي يتحكم في سلوك الناس ويحكمها.

 وتأتي سلطة الخطاب من قوة الكلمة كما  يتضح  منحجم تأثير الكلمات وما تحمله من خطاب، على عقول الناس، وتوجيه سلوكها، من خلال البنى الذهنية التي تتحكم فيه،إذ أن الخطاب يمتلك السلطة وبالتالي  فهو يحاكي قلوب وعقول الجماهير ويجعلها تؤمن بالرسالة التي يقصدها الخطيب  بعد أن يتوسل كل الحيل البلاغية من أجل إقناع المخاطب ،ولذلك فإن تحليل الخطاب لا يقف عند حد البنية الظاهرية للنص ، بل يتعداها إلى  محاولته القراءة التأويلية  من أجل استنهاض  مختلف الرموز والإشارات التي يحيل إليها الخطاب، لأن كل خطاب يحاول أن يؤثر بالمتلقي ويقنعه ويحاول أن يدافع عن قصيدته التبليغيةمتوسلا الإيتوس والباتوس واللوغوس  لإقناع الجمهور بالحقيقة التي يتبناها الخطيب وليس بالحقيقة كحد ذاتها،و متوسلا الحيل البلاغية لك ييؤثر على المتلقي من أجل إنجاح فعل القول. ولهذا فإن الخطاب هو سلطة وقوة ، هو سلطة  الكلمة أي الفعل والمفعول، الأثر والتأثير ومنهايتكون الكلام المفيد الدال على معنى، لذا فإن الكلمة هي  فعل واسم وحرف وكل رمز ودلالة.  

 هذا طرح ميشيل فوكو نظرة متميّزة للخطاب حين ربطه بالسلطة، وإذاكان هناك ارتباط وثيق بين السلطة والخطاب، فإنّ ذلك ليس مجرّد تخطيط، وتنظيم من قبلالسلطة فحسب، وإنما علاقة تجمع بين اللغة وأنماط الهيمنة الاجتماعية. فوكو يبين أن خطاب المجنون كان يعد دائما إما خطابا فارغا ولاقيمة له ولا يمتلك أية حقيقة أو أهمية أو أن له قدرات غريبة، كالجهر بحقيقة مخفية أو التنبؤ بالمستقبل. وفي كل الأحوال، فقد كان خطاب الأحمق الموقع الذي تمارس فيه عملية القسمة والرفض.وموقف فوكو قريب من موقف بارت الذي أعلن فيه موت المؤلف يظهر تحليل الخطاب على أشكال مختلفة يمكن تقسيمها إلى أربع منظومات كبرى،وهي المنظومة المنطوقية،والمنظومة الحجاجية و المنظومة السردية والمنظومة الخطابية على ان نظرية الخطاب هي التي تقود عمليات تحليل النصوص العلمية ولقد دفعت نظرية الخطاب الباحثين الى اعادة التفكير في العلاقة بين البنية الاجتماعية والمعنى من خلال التركيز على السلطة من داخل نظام المعنى وليس من خارجه ،فنظم المعنى نفسها  تعتبر سلطة وهي لا تظهر  بسهولة كنظم مثل بنية اللغة بل من خلال ممارسات ذات دلالة . ويشير  الخطاب كما يقول فيركلاو الى استخدام اللغة حديثا وكتابة كما يتضمن أنواعا اخرى من النشاط العلامات مثل الصور المرئية الصور الفوتغرافية،الافلام،الفيديو،الرسوم البيانية، والاتصال غير الشفوي، ويخلص إلى أن الخطاب هو أحد أشكال الممارسات الاجتماعية ،ويستخدم فيركلاو الخطاب بمعنى أضيق حين يقول الخطاب هو اللغة المستخدمة لتمثيل ممارسة اجتماعية محددة من وجهة نظر معينة،أخرى الخطاب هو مجمل القول والفعل، وهو الممارسة الاجتماعي.

ابتسام رمال صحافية لبنانية تعمل في الإعلام المرئي منذ 20 عام ، وتحمل درجة الماجستير في الإعلام والإتصال 

 

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي شييك وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً