هل تساهم وسائل الإعلام في تمرير المغالطات المنطقية للجمهور ؟

image
الصحفي ومدقق المعلومات موسى ابوقاعود
2023-01-21

هل تساهم وسائل الإعلام في تمرير المغالطات المنطقية للجمهور ؟

يذهب الكثير منه إلى تبني فرضيات واستنتاجات خاطئة أو من وحي خيال محض ، دون الوقوف على هذه المسلمات أو تفنيدها أو حتى التحقق من صحتها .. غالبا ما نغوص في حوراتنا  على مسائل وهمية أو أسس من أطراف مختلفة لإثبات وجهة نظر تمثل طيف ما حول أي موضوع يشكل رأي عاماً والتي لعبت فيها وسائل الإعلام دورا كبيرا فيما تبثه للجمهور .

تأتي المغالطات المنطقية من خلال استخدام الأفكار والمعلومات المضللة في التبرير عن مواقفنا او الدلائل التي وصلت إلينا من جهة نعتقد بأنها الصواب ، وما يسمح لعبور تلك المغالطات على أنها حقيقة مسلمة.

ولأن الإعلام يأخذ أشكالا مختلفة في تمرير المعنى  " مكنوب ،مرئي ،مسموع"  ويخلق مساحة للنقاش في العلن ، حينها يولد إنتاجا للمعنى على أن يتخذ هذا الإنتاج شكل استثمارات قابلة للتطبيق من قبل المجموعة الموجه لها الخطاب في مشهدية كلامية بما يحيل على العلاقات التي ينسجها المعنى مع الميكانيزمات الأساسية لاشتغال ما هو اجتماعي.

شعار الحقيقة

نرى أن كثيراً من وسائل الإعلام اللبنانية  تحمل شعار " الحقيقة" وينسحب ذلك أيضا على الإعلام بصفة عامة عربية وعالمية التي تسعى من خلال شعاراتها قول الحقيقة من خلال استخدام الإقناع بالعاطفة للجمهور وفعل الكلام الذي تقدمه كفاعل لتقدمه " للمتقلي" ، وكمفعول له بوصف الحقيقة على حد تعبيرها عندما تعيد إنتاج المعنى (الحقيقة) كسلطة رابعة وتحمل فعل الكلمة لتنقله إلى الجمهور بمشهدية  متعددة لإقناع المشاهد بأنها تقول الحقيقية .

فن المغالطات

تأخذ الحقيقة في وسائل الإعلام أبعاد مختلفة في تغطية الأحداث والأزمات لتأطير الخطاب وتقدم الانطباعات وسرد الأحداث للمتلقي مثل أزمة اللاجئين السوريين في لبنان وانتخابات رئاسة الجمهورية .

وإذا ما أخذنا  مثالا مباشرا على البرامج " الحوارية "   كحالة عامة يمكننا من خلالها قياس الخطاب في الفضاء العمومي اللبناني من خلال مقدمين البرامج والضيوف،في مشهدية للحوار المتعدد للرأي والرأي الآخر،من بداية اسم البرنامج الذي يعمل تمظهر في العلن، ويشارك فيه الجمهور عبر مشهدية أخرى لتكريس الديمقراطية العلنية،إلى الضيوف الذين يشاركون في النقاش ولا تكون أحاديثهم خارج القول بالسياسة بقلب الإعلام،وبما أن الإعلام في لبنان يخضع لسلطة ما، فالضيوف أيضا مقسمون حسب طبيعة المحطة والمحاور فيتحول الضيف لمحاور خصم الضيف الآخر، ما يؤثر بالمجمل على سياق الحلقة وتكون التفاعلية بالحوار المرافقة للإطلالة الإعلامية للضيوف ، وينتج خلالها الكيفية بالقول والرغبة بالفعل(القول) أثناء الخطاب وما الواجب بالفعل والقدرة على الفعل داخل الحلقة أو سياق الحوار وإنتاج المعنى.

واذا أخذنا مثالا واقعية كالخبر الذي نشرته قناة MTV اللبنانية تحت عنوان " سيناريو السرقات يعود إلى الواجهة ، و42% من المرتكبين من غير اللبنانيين" فإنه الفكرة الأولى التي تقودك لحسم الموضوع أنه نسبة السرقة الأكبر هي لغير اللبنانيين ، ولأنه النسبة جاءت حقيقية في متن التقرير المرفق إلا أن المؤسسة لم تذكر في عنوانها للتقرير النسبة الأكبر 47% للبنانين و11% لجنسيات أخرى .وهنا فكرة لتمرير مغالطة منطقية محصور بفئة غير فئة تعيش في البقعة الجغرافية الواحدة جراء ظروف ناتجه عن أوضاع سياسية واقتصادية بحته.

التعميم المتسرع

يقول عالم النفس جوردون ألبورت ما نكاد نتلقَّى «حبَّةً» من الوقائع facts حتى نشيِّد منها «قبةً» من التعميمات. وينسحب هذا القول على التعميم المنسرع التي تقدمه وسائل الإعلام للجمهور على أساس معلومات شحيحة أو أدلة هزيلة أو بتقديم عينة غير ممثلة حول قضية ما.

ولعل التعميم المتسرع الذي تمارسه هذه الوسائل ومنها منصات التواصل الاجتماعي يساهم بانتشار المغالطات التي تأخذ شكلا من التحيزات العرقية والعنصرية والطائفية والتوجه الإيديولوجي الذي يقدم الأفكار والرسائل الموجة للجمهور بطريقة مضللة فيها إثارة للعواطف  لكسب نزاع ومناورة تبدو منطقية.

ومن الأمثلة المنطقية التي تروج لها وسائل الإعلام في عرضها للقضايا والأحداث " ارتفاع نسبة الجريمة بعد ازدياد أعداد اللاجئين " أزمة المياه ناتجة عن زيادة في عدد المواليد لدى اللاجئين" رغم أنها هذه المشاكل موجودة بالفعل لكن عند تقديمها للجمهور في قالب موجه تكون النتجية والسبب منطقياً بالنسبة للمتلقي.

وإذا أخذنا شكلا آخر حول التعميم المتسرع ما نراه في فن الكاريكاتير التي تتبنى فكرته بعض وسائل الإعلام لأنها تبنت فكرة العمل الفني ضمن رسالتها الموجهة للجمهور مثل علاقة العمال الوافدة بالاقتصاد الوطني الأردني بالنسبة للعمال الأردنيين "

 

الحجة والدليل

قد تكون المعطيات كلها صحيحة فمن الممكن للحجة أن تكون غير سليمة إذا كان المنطق المستخدم غير سليم، تسمى هذه الحالة بالمغالطات المنطقية. وهناك ميل إلى البدء من النتيجة قبل بناء حجة تدعم هذه النتيجة، وأغلب الناس سيستخدم المغالطات المنطقية ليبني حجة تؤدي إلى النتيجة المطلوبة ومن ثم تكون حججاً منطقية سليمة قوية.كالمثال المتداول " إن هناك منافسة على حيز العمل بالسوق نتيجة ارتفاع عدد اللاجئين ومن ثم ارتفاع أعداد البطالة بين الشباب ". أو" لا نملك المقدر تحمل الأعباء المالية في عجز الموازنة بسبب انعكاس السعر الدولي للمشتقات النفطية" .

قوة الكلمة

تأتي  سلطة الخطاب من قوة الكلمة كما  يتضح  من حجم تأثير الكلمات وما تحمله من خطاب، على عقول الناس، وتوجيه سلوكها، من خلال البنى الذهنية التي تتحكم فيه،إذ أن الخطاب يمتلك السلطة وبالتالي  فهو يحاكي قلوب وعقول الجماهير ويجعلها تؤمن بالرسالة التي يقصدها الخطيب بعد أن يتوسل كل الحيل البلاغية من أجل إقناع المخاطب، لأن كل خطاب يحاول أن يؤثر بالمتلقي ويقنعه ويحاول أن يدافع عن قصديته التبليغية متوسلا لإقناع الجمهور بالحقيقة التي يتبناها الخطيب وليس بالحقيقة كحد ذاتها،و متوسلا الحيل البلاغية لكي يؤثر على المتلقي من أجل إنجاح فعل القول.

إذا، قد تقوم الوسيلة الإعلامية (الفاعل ) إلى تقديم  الخطاب بالإقناع والمنطق والعاطفة ليقنع المفعول له" الجمهور"  بالحقيقة تبعه ، باستخدام كل الحيل المنطقية التي تجعل الحقيقية غير قابلة للشك من قبل المتلقي ما يعني "الأنا "المتكلمة تحكي الحقيقة باعتقاد كل مجموعة " فاعلين " مثل السياسين والمؤثرين والرموز السياسية وغيرها  وما يقدمونه للجمهور في خطابهم هو الحقيقة .

وهنا بيتأطر الخطاب والتنبؤ بيسهل للمتلقي أي يكون لديه قبول لتأثير الخطاب القوي ويكون لها تأثيرات سريعة ومباشرة على انتشار المعلومات المضللة والترويج للأجندات السلبية  عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتي قد تعرقل مهمة مدققي المعلومات في كبح انتشارها وتأثيرها .

موسى ابوقاعود

صحفي ومدقق معلومات

مؤسس منصة شييك لتحقق من الأخبار الكاذبة

 

https://ia801301.us.archive.org/31/items/logical_fallacies/logical_fallacies.pdf