خطاب الكراهية في لبنان إلى أين.. "لم الصواني" وأزمة خطاب البطريرك

image
صورة تعبيرية
خطاب كراهية سياسة 2023-11-25


شييك

ناهلة سلامة

صرح البطريرك مار بشارة بطرس الراعي بتاريخ 15 تشرين الثاني 2023 خلال ترأسه في مؤتمر الإعلام عن"يوم الفقير العالمي"في الصرح البطريركي بكركي بكلمة نشرت في الوكالة الوطنية ووسائل إعلام لبنانية "لقد رأينا أن الحاجات تزداد ونحن مهددون بالحرب الدائرة إلى جانبنا وأهالينا نزحوا من بيوتهم في الجنوب أي المزيد من الفقر"، "والطلب من كل الرعايا والأبرشيات تقديم مبالغ من الأموال بقدر إمكانياتها وتقديم "الصواني" يوم الأحد لمساعدة أهلنا في الجنوب". 



فهل ما قاله البطريرك الراعي يمثل خطاب الكراهية ؟

تفاعل العديد من الناشطين والمؤثرين على صفحات مواقع التواصل بين مؤيد ومعارض لكلام البطريرك، وبين تاريخ 15 تشرين الثاني 2023 و 17 تشرين الثاني 2023 انتشر وسم #البطريرك_الراعي بشكل واسع على منصة X (تويتر سابقًا) وقد تضمنت العديد من العبارات التي تحمل مشاعر الكراهية والانقسام بين المواطنين فكانت تغريدات المعترضين على الخطاب تحمل الكثير من عبارات التخوين:

"ليش هذا اصلا انسان"،  "فيه ناس عندهم نقص وشو ما عملت لترفع مستواهم بيضلو يحنو لاصلهم الواطي"  "الحمدلله الذي جعل أعدائنا السفهاء" "للتذكير #البطريرك_الراعي عميل إسرائيلي امريكي بشهادة جوزيف ابو فاضل"

في المقابل رد المدافعون عن البطريرك بخطاب مماثل: 

"مجرد ما سمعوا صوت الراعي هاشوا الكلاب"  "قسمو قسمو وخلصونا بقا... ولا رح اتعاطف وما بق اتعاطف معكم" "بدكن ١٣٥٠ سنة تتفهموا شو قال!!! وأساساً بشك إنو رح تفهموا، لأن بدّو يكون إنتماءكن لبناني لتعرفوا تاريخ هالوطن"



دعوة للكراهية 

إن انتشار عبارات الكراهية والعداء على مواقع التواصل بين أبناء المجتمع اللبناني يثير حدة الخلافات الداخلية، ويضر بالتواصل السليم بين المواطنين، ويخالف الدستور الذي يشدد على فكرة "لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه".

وبعد خطاب البطريرك الراعي، تمكن فريق شييك من رصد العديد من التغريدات التي حملت دعوة للكراهية ما أدى إلى تصعيد لغة الخطاب بين اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم السياسية.

فنجد هنا روابط الحسابات المنتشرة بين تاريخ 15 تشرين الثاني 2023 و 17 تشرين  الثاني 2023 هنا و هنا و هنا و هنا و هنا  و هنا و هنا و هنا و هنا و هنا و هنا و هنا 


لماذا يوم الفقر؟

يشمل خطاب البطريرك بشارة الراعي العديد من الجوانب التي ظهرت خلال مراجعتنا للخطاب بشكل مفصل، مما يطرح العديد من الأسئلة حول خلفياته والتوقيت، لماذا اختار الراعي يوم الفقر تحديدًا للقيام بخطوة المساعدة، على الرغم من أن الحرب على جنوب لبنان بدأت منذ الثامن من تشرين الثاني 2023، وعكس ما توقعه المواطنون لم يخرج البطريرك الراعي عن صمته ليندد ويعترض حيال ما يجري من الاعتداءات الإسرائيلية على جنوب لبنان، بل على العكس ظهر فجأة يطلب المساعدة دون توضيح من هي الجهة المستهدفة وأي أبناء جنوب يقصد، فهل سقط المصطلح سهوًا؟.


كما أن البطريرك استخدم مصطلحٌا كنسيا خاصا لا يعرفه جميع اللبنانيين، مما فتح المجال لإعادة استخدام مواقف سياسية سابقة للتصويب على رفض خطاب الراعي حول "لم الصواني"،  بالإضافة إلى لغة الخطاب التي من الواضح أنها غير مدروسة ولم يتم تدارك تبعاتها خاصة في ظل ما يعانيه لبنان من انقسام في الشارع. 


لكن مهما كان الدافع وراء اختيار البطريرك لهذا التوقيت، فإن خطابه أثار جدلًا واسعًا في لبنان.

تدارك الموقف

في المقابل أسرع عدد من السياسيين للتدخل في حل النزاع القائم ومحاولة التخفيف من حدة الاتهامات المتبادلة، وشرح خلفية خطاب البطريرك الراعي، فكان هناك تغريدة للنائب السابق ناصر قنديل عبر حسابه على (X) في 16 تشرين الثاني 2023، والذي قال فيها "لزوم ما لا لزوم له في السجال حول كلام البطريرك الراعي دعوة لوقف السجال حول كلام البطريرك الراعي" وقد أرفقها في تصريح مصور هنا


من جهة أخرى علق النائب السابق وليد جنبلاط في تغريدة عبر حسابه على (X)، "نستنكر أي كلام تحريضي داخلي وخاصة تجاه البطريرك الراعي في هذه المرحلة الاستثنائية من الخطورة من تاريخ لبنان والمنطقة" هنا  

أما مسؤول الملف المسيحي في "حزب الله" محمد الخنسا قال  في تصريح له: "كل كلام على وسائل التواصل ‏مسؤول عنه صاحبه، وهناك أخطاء ترتكب كثيرا بحق شخصيات إسلامية وطنية ومسيحية يوميا ‏ودوما، ونحن نحفظها، ولكن نتجاوز عنها. من هذا الباب أقول نحن في حزب الله مسؤولون عما ‏يصدر في إعلامنا المركزي، ولسنا مسؤولين عن ما يصدر على مواقع التواصل. ‏هنا




فيما رفض رئيس مجلس النواب نبيه بري حملات الافتراء على مقام البطريرك مار بشارة  بطرس الراعي، حيال دعوته الصادقة إلى دعم النازحين اللبنانيين. وقال :"إن دعوة غبطته لدعم النازحين تعبر عن موقف رسالي وطني جامع ، إنني إذ أنوه بدعوة غبطته في هذا المجال ، نستنكر الحملة التي تعرض لها عن سوء فهم ليس إلا".

بيان بكركي 

"رد مدير المركز الكاثوليكي للإعلام المونسنيور عبدو أبو كسم  في تصريح للوكالة الوطنية للإعلام على أن "بعض الأصوات التي استهدفت البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي"، وأكد في بيان "أن هذه الأصوات لن تستطيع النيل من كرامة وعزة وعنفوان سيّد بكركي، على أمل أن يرتقي هؤلاء بفهمهم إلى مغزى ما قاله غبطة البطريرك ومعنى التضامن في موضوع "لم الصواني" الذي هو أبعد ما يكون عن موضوع "الشحادة". هنا



"لم الصواني"

" لم الصواني"،"فلس مار بطرس"، " تمرير طبق"  أو وضع صندوق في آخر قاعة الكنيسة أو أية طريقة أخرى لجمع الأموال، معتمد منذ مطلع انتشار المسيحية، حتى أن القديس بولس، رسول الأمم وكاتب الرسائل، كان يطلب من الكنائس في “كورنثوس” في اليونان، و”غلاطية” في بلاد الأناضول التركية وسواهما، أن تجمع الأموال من أجل نقلها إلى الفقراء في مدينة القدس. في حين أن طائفة الروم الكاثوليك تسمي التدبير: “فلس مار بطرس” من أجل حراسة الأماكن المقدسة والحفاظ عليها.

وكانت طريقة "لم الصواني" هي الطريقة الأكثر شيوعًا لجمع المال في الكنائس المسيحية في الماضي. وكانت العائلات المسيحية تضع صحونًا في شرفات منازلها لجمع الصدقات من الجيران والمعارف. وكانت هذه الصدقات تستخدم لمساعدة الفقراء والمحتاجين، ولإعادة بناء القرى التي دمرتها الحرب.

أما "فلس مار بطرس" فهو جمع المال من أجل دعم الأماكن المقدسة في القدس. وقد بدأ هذا التدبير في القرن الرابع الميلادي، ويُقام كل عام في يوم عيد القديس بطرس.



الإعلام في جانب من الصراع

انتشر عدد من العناوين على المواقع الإخبارية التي استنكرت الهجوم على البطريرك الراعي لكنها لم تخل من عبارات التحيز والكراهية  مناصرون لـ«حزب الله» دعوا البطريرك الماروني إلى التشيّع… وجنبلاط استنكر التحريض و الصواني تستفز أبواق الممانعة... تطاول على الراعي وبلد مقسوم و لم الصواني" تشعل غضب موالين لحزب الله ضد بطريرك ماروني وهذا ما يخالف ما نص عليها ميثاق الشرف الإعلامي في المادة 11 والتي أكدت على أهمية "العمل على ضبط إيقاع افتتاحيات الصحف ومقدمات نشرات الأخبار الإذاعية والتلفزيونية، وكذلك البرامج الحوارية للإعلام المرئي والمسموع بشكل يحترم مبادئ العمل الإعلامي وأصوله وعدم بث روح العنف والفتنة".

وتعتقد شييك أنه كان يجب على وسائل الإعلام التي نقلت الخبر أن تساهم في تعزيز الحوار والتواصل بين مختلف فئات المجتمع، وذلك من خلال تقديم محتوى إعلامي شامل وموضوعي، يعكس تنوع الآراء والأفكار، ويحترم كرامة الإنسان، ويجنب خطاب الكراهية والتعصب، والتزامًا بميثاق الشرف الإعلامي اللبناني، وتجنّب الدخول في جبهات التحريض على النزاع، لما يمر به لبنان من ظروف سياسية صعبة بين الأطراف السياسية.


خطة عمل الرباط

تشدد خطة عمل الرباط  على حظر الدعوة إلى الكراهية القومية أو العرقية أو الدينية التي تشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف، الاستنتاجات والتوصيات الصادرة من عدة ورش عمل للخبراء عقدَتْها المفوضية السامية لحقوق الإنسان في جنيف  وفيينا  ونيروبي  وبانكوك  وسانتياغو دي شيلي. ومن خلال ترسيخ النقاش في القانون الدولي لحقوق الإنسان. 


مخالفة معايير منصة X

تنص منصة X  بشكل واضح وصريح حول القوانين الواجب احترامها خلال استخدام الحسابات الشخصية وقد جاء في صفحة قوانين X  " يهدف X إلى تقديم خدمة المحادثات العامة. وتعمل سلوكيات مثل العنف والمضايقات على ثني الأشخاص عن التعبير عن أنفسهم، وتقلل في النهاية من القيمة المستفادة من المحادثات العامة في جميع أنحاء العالم. وتضمن قوانيننا إمكانية مشاركة كل المستخدمين في المحادثات العامة بكل حرية وأمان"


الدعوة إلى ضبط الخطاب

إن التغريدات والعناوين المنتشرة ساهمت في انتشار الكراهية، لذا يجب على جميع الأطراف الالتزام بخطاب أكثر حكمة، وأن يسجل موقفًا دون هجوم شخصي أو تنديد أو تخوين، خاصة في ظل الانقسام السياسي والحرب في جنوب لبنان.

وعلى الدولة اللبنانية توحيد الخطاب السياسي، والإسراع إلى وأد الفتنة، والحرص على آلية الخطابات السياسية، وكيفية توجيهها إلى الجمهور، خاصة بعد الدعوات المنتشرة إلى تقسيم لبنان فدراليا وطائفيًا."