شييك : ريما حسن
ربما تكون قد سمعت أو قرأت المعلومة الشائعة التي تقول أننا نستغل فقط 10% من أدمغتنا، وأن اكتشاف الـ90% المتبقية يمكن أن يفتح لك أبوابًا لا حصر لها من الإمكانيات والقدرات. تخيل أنك تملك داخلك قدرات هائلة غير مستغلة، أن كل ما تحتاجه لتحقيق إنجازات خارقة يكمن في تفعيل جزء صغير أكثر مما تستغله فعليا من دماغك. هذه الفكرة التي تبدو جذابة تمنح الكثيرين شعورًا بالأمل، وتجعلنا نتساءل عن ما يمكن أن نصبح عليه لو قمنا باستغلال قدراتنا الدماغية الكاملة. في هذا التقرير سوف نلقي الضوء على بعض الحقائق الأساسية حول طبيعة عمل الدماغ، ونوضح إذا كانت هذه المعلومة صحيحة أم أنها مجرد خرافة جميلة أحببنا أن نصدقها.
خرافة
هناك العديد من الخرافات الشائعة حول الدماغ، ومن بين هذه الخرافات، الأشخاص إما أن يسيطر عليهم النصف الأيسر من الدماغ المتخصص بالتفكير المنطقي والتحليلي، أو النصف الأيمن المتخصص بالتفكير الإبداعي والعاطفي، والاعتقاد بأن الدماغ لا يستطيع إنتاج خلايا جديدة، وأن تعدد المهام يزيد من الإنتاجية. والحقيقة هي أن الدماغ يعمل كوحدة متكاملة، حيث تتفاعل جميع أجزائه باستمرار لإنجاز المهام المختلفة بشكل متناسق ومعقد، مما يمكنه من أداء وظائفه بشكل فعال. وأحد أشهر الخرافات التي تنتشر حول طبيعة عمل الدماغ هي الاعتقاد بأن الإنسان لا يستخدم سوى جزء صغير فقط من دماغه مما يترك الجزء الأكبر من إمكاناته الدماغية غير مستغلة وهو اعتقاد مضلل ينتشر على نطاق واسع رغم عدم صحته العلمية.
العوامل التي أثرت على تصديق هذه الخرافة
لقد أشار Stephen L. Chew (2018) إلى تأثير الأفلام وكتب تطوير الذات والفهم الخاطئ لبعض المحتويات العلمية في نشر الأساطير حول قدرات الدماغ. على سبيل المثال، يعد الفيلم الشهير Lucy (2014) مثال واضح حيث تصور البطلة وهي تكتسب قدرات خارقة مثل التحكم في الزمن وقراءة الأفكار، نتيجة استخدامها لنسبة أكبر من الدماغ. على الرغم من أن الفيلم خيالي، إلا أنه أثر على تصورات الجمهور حول قدرات الدماغ وإمكاناته, وقد تكررت هذه الأسطورة في المقالات والبرامج التلفزيونية والأفلام، مما يعزز من انتشارها كذلك، قد ساهمت كتب تطوير الذات في تعزيز هذه الأساطير فمثلاً يروج جوزيف ميرفي في كتابه "العقل الباطن يستطيع كل شيء" لفكرة أن العقل الباطن يمتلك قوى غير مستغلة يمكن تسخيرها لتحقيق النجاح والسعادة، ورغم أن مثل هذا الكتاب يحتوي على العديد من النصائح المفيدة، إلا أنه يعزز بعض الأفكار المغلوطة حول قدرات العقل.
بالإضافة إلى ذلك، يتم أحيانًا إساءة فهم الاقتباسات والمحتوى العلمي, مثل الفهم الخاطئ الذي قد يحدث لاقتباس ويليام جيمس (1907) الذي يقول: "يشعر معظمنا كما لو أننا نعيش بشكل معتاد مع نوع من السحابة التي تثقل كاهلنا... نحن نستخدم فقط جزءًا صغيرًا من مواردنا العقلية والجسدية الممكنة." جيمس لم يدع أن معظم الناس يستخدمون 10٪ فقط من قدراتهم العقلية، بل كان يشير إلى أن القيود الاجتماعية والروتين اليومي تعرقل تحقيق إمكانياتنا الكاملة.
هيوز وآخرون عام (2013) وجد أن هذا المفهوم الخاطئ (الذي يسمى فيما بعد بأسطورة الـ 10٪ ) هو أحد أكثر المفاهيم الخاطئة انتشارًا بين الجمهور. الأمر الأكثر إثارة للقلق هو النتيجة التي توصل إليها ديكر وآخرون. (2012) أن حوالي 50% من معلمي المرحلة الابتدائية والثانوية عبر الثقافات المختلفة يؤيدون أيضًا أسطورة الـ10%.
ما المقدار الفعلي لما نستغل من الدماغ؟
أظهرت دراسة حديثة في أبريل 2011 حول الأساس العصبي لرؤية الكلمات استخدمت تقنيات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) أن الدماغ يعمل بكفاءة عالية وأن جميع أجزائه تلعب أدواراً مهمة في حياتنا اليومية حتى عند القيام بأبسط العمليات مثل الحفاظ على التنفس.
وتناقش Nadine Gaab, PhD. نادين جاب أستاذة طب الأطفال في كلية الطب بجامعة بوسطن الوظائف الدماغية التي تحدث أثناء عملية القراءة حيث تقول : "إن هناك عددًا من الأشياء التي يجب أن تحدث حتى يتعلم الطفل القراءة ويفهم ما يقرأه".
كما وضحت دراسة الأنظمة العصبية للقراءة بصوت عالٍ: نهج متعدد المعلمات قام بها كل من William W. Graves, وزملائه 2009 من جامعة WI في الولايات المتحدة الأمريكية تلك العمليات حيث أشارت إلى دور المخيخ في تنسيق حركة العين أثناء قراءة الكلمات, ودور الفص القذالي في تلقي الرسائل من عينيك, ومن ثم يقوم الفص الجبهي بمعالجة المعلومات التي قرأتها للتو, وفي النهاية يقوم الفص الجداري بامتصاص السياق, وفي حالة إذا كنت تقرأ ليلاً، فإن جذع دماغك يقلل من تنشيط الدماغ حتى تغفو.
وقدم روبين بويد في مقال له نشر في 2008 هل يستخدم الناس 10% فقط من أدمغتهم؟ لنأخذ على سبيل المثال الفعل البسيط المتمثل في سكب القهوة في الصباح: أثناء المشي نحو إبريق القهوة والوصول إليه وسكب الشراب في الكوب وحتى ترك مساحة إضافية للكريمة، يتم تنشيط الفصوص القذالية والجدارية، والقشور الحركية والحسية، والعقد القاعدية، والمخيخ، والفص الجبهي. خلال هذه الفترة الزمنية القصيرة التي تبلغ بضع ثوانٍ، تنشط الخلايا العصبية في جميع أنحاء الدماغ تقريبًا.
يتبين لمعدة التقرير من خلال الدراسات التي قامت بمراجعتها أن استخدام الدماغ لا يقتصر على جزء محدد، بل يشمل تفاعل جميع أجزائه معًا في أداء مهام متنوعة. فالتفكير الإبداعي والتحليلي، والتعامل مع العواطف والمنطق، وحتى عند القيام بأبسط المهام الحياتية جميع هذه العمليات تعتمد على التنسيق والتفاعل بين مختلف مناطق الدماغ.
إذا، لا يوجد أساس علمي لفكرة استخدامنا لـ 10٪ فقط من أدمغتنا. بل تُظهر الأبحاث أن جميع أجزاء الدماغ نشطة طوال الوقت وتلعب دورًا هامًا في وظائفنا الإدراكية.