شييك : لبنان
في خضم التغطية الإعلامية اليومية للأحداث الأمنية والاجتماعية في لبنان، تبرز تحديات جوهرية تتعلّق بكيفية صياغة عناوين الأخبار، خاصة عند تناول قضايا اللاجئين أو الفئات المهمّشة. ففي 6 يونيو/ حزيران 2025، نشرت صحيفة "النهار" اللبنانية خبرًا بعنوان: "طعن بالسكاكين بين سوريين في بحنين شمالي لبنان... سقوط قتيل وجرحى“ إشكال عائلي بين آل "العبدالله" من التابعية السورية في بحنين!. (مؤرشف )
ما أثار تساؤلات حول حدود المهنية في الإعلام، وخطورة التوصيفات التي تُكرّس الصور النمطية وتعزز خطاب الكراهية.
فهل العنوان من فئة العناوين المثيرة للكراهية أو التمييز ضد فئة محددة؟
تحليل العنوان
يحمل العنوان الأول: "طعن بالسكاكين بين سوريين في بحنين شمالي لبنان... سقوط قتيل وجرحى" دلالات تمييزية واضحة، إذ ينحرف عن المعايير المهنية نحو التعميم والوصم الجماعي. الإشارة إلى جنسية المتورطين – "سوريين" – دون وجود قيمة إخبارية حقيقية، تُساهم في شيطنة فئة بعينها، وتغذي السرديات العنصرية المنتشرة في الخطاب اللبناني، خاصة تجاه اللاجئين السوريين. كما أن تجاهل الإشارة إلى أن الحادثة ذات طابع عائلي يخرجها من سياقها الفردي، ويوحي بسلوك عنيف جماعي يرتبط بجنسية معينة، مما يشكّل مادة جاهزة لخطاب الكراهية.
أما العنوان الفرعي : "إشكال عائلي بين آل العبدالله من التابعية السورية في بحنين!"، فرغم كونه أقل حدّة، إلا أنه لا يخلو من إشكاليات مهنية. الإشارة إلى "التابعية السورية" لا تضيف قيمة تحريرية للقارئ، بل تُكرّس الفصل الاجتماعي وتعيد إنتاج الهوية على نحو قد يُربط ضمنيًا بالفوضى أو العنف.
من الملاحظ أن مثل هذه الصياغات لا تُستخدم غالبًا عند الإشارة إلى أطراف لبنانيين، ما يعكس ازدواجية واضحة في المعايير التحريرية.
في كلا العنوانين، يظهر استخدام غير مبرّر للهوية القومية، ما يُعدّ انزلاقًا من الإعلام الإخباري نحو التحريض والتمييز، في مخالفة صريحة لأخلاقيات الصحافة، وللمواثيق المحلية والدولية التي تحظر خطاب الكراهية.
دلالات اللغة المستخدمة
وفق مؤشر "شييك"، تحمل العبارات المستخدمة في العنوان “بين سوريين" و "من التابعة السورية" دلالات تحريضية و تمييزية. فهي تعمم حادثة فردية على فئة بأكملها، وتكرس انطباعات سلبية قد تؤدي إلى تعميق الانقسام الاجتماعي، لا سيما في ظل السياق المتوتر المرتبط بملف اللاجئين في لبنان.
وإدراج اسم العائلة (آل العبد الله) إلى جانب ذكر الجنسية، يعكس ممارسة يطلق عليها "التمييز الهوياتي الإعلامي"، أي استخدام الانتماء العائلي أو القومي لتأطير الأفراد داخل جماعات يُحمّل لها ضمنيًا سلوك اجتماعي سلبي.
عدوى النشر
ما يمكن وصفه بـ “عدوى العناوين" بدا واضحًا، إذ سارعت مواقع إخبارية لبنانية إلى إعادة نشر الخبر بصياغات مشابهة، مستنسخة نفس اللغة التي تحمل دلالات تمييزية تحريضية. وتنوّعت العناوين في حدّتها، لكنها اشتركت في تقديم رواية تركز على هوية الأطراف لا على تفاصيل الحدث أو سياقه.
وتكمن خطورة هذه العناوين في كونها المدخل الرئيسي لتشكيل رأي عام متسرّع، إذ يكتفي كثير من المتلقّين بقراءة العنوان دون التعمّق في تفاصيل الخبر، ما يجعل أثر الخطاب السلبي مضاعفًا وسهل الانتشار." إشكال بالسكاكين بين سوريين في بحنين"، في منطقةٍ لبنانيّة: إشكالٌ عائليّ خطير بين "سوريّين"... اشتباكٌ عنيف وطعنٌ بالسكاكين، سقوط "قتيل" وجريحين! " .
ميثاق الشرف الإعلامي
حسب ميثاق الشرف الإعلامي اللبناني تنص المادة 3 حرص وسائل الإعلام اللبنانية على رفض مبادئ التمييز العنصري، والامتناع عن التعرض بطريقة مباشرة أو غير مباشرة للطعن بكرامة الناس، وعدم التدخل في شؤونهم الشخصية أو الخاصة ، وعدم التجريح بهم.
مخالفة مهنية
تتحمل الوسيلة الإعلامية التي تنشر هذه المخالفات المهنية المسؤولية لأنها تبنت فكرة العمل الفني ضمن رسالتها الموجهة للجمهور ، فمن واجبها تقييم العمل ، والتّأكد من مطابقته لمعايير مهنة الصحافة وأخلاقيّاتها، قبل قَبول النّشر.
كما ينبغي على وسائل الإعلام تجنّب هذه المخالفات المهنيّة والأخلاقيّة، والسعي لوضع معايير ومواثيق مهنية تُحدّد خطاب الكراهية وكل ما يحمل تمييزاً أو تحريضاً ضدّ فئة معينة.
خطة عمل الرباط
تقترح خطة عمل الرباط معايير صارمة لتحديد القيود على حرية التعبير والتحريض على الكراهية، وتطبيق المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وتحدد اختبارًا من ستة أجزاء يأخذ في الاعتبار (1) السياق الاجتماعي والسياسي و(2) حالة المتحدث و(3) النية لتحريض الجمهور ضد مجموعة مستهدفة (4) والمحتوى وشكل الخطاب و(5) مدى نشر الخطاب و(6) أرجحية الضرر، بما في ذلك الوشوك المحدق.
النتيجة
العنوان المتداول "طعن بالسكاكين بين سوريين في بحنين شمالي لبنان... سقوط قتيل وجرحى" يتضمّن دلالات تمييزية واضحة، تُسهم في تعميم صورة نمطية سلبية عن اللاجئين السوريين، وتعزز مناخ الكراهية داخل خطاب إعلامي مأزوم.
وتؤكد منصة "شييك" أن مسؤولية المؤسسات الصحفية لا تقتصر على نقل الوقائع، بل تشمل أيضًا مراجعة اللغة المستخدمة، ومراعاة أثرها الاجتماعي خاصة في سياقات مشحونة مثل الملف السوري في لبنان.