السيارات الكهربائية والطاقة الشمسية.. بين نمو الأرقام وحملات التشكيك

image
صورة تعبيرية
مضلل بيئة ومناخ 2025-11-04


سلام فريحات - الأردن / حلوة العاروري - فلسطين


يشهد العالم تزايداً ملحوظاً في استخدام السيارات الكهربائية. في عام 2024، بيعت أكثر من 17 مليون سيارة كهربائية، مقارنة بسبعة آلاف سيارة كهربائية في عام 2010، بحسب وكالة الطاقة الدولية.

في المقابل، تتراجع مبيعات سيارات الديزل والبنزين حول العالم منذ عام 2018، مع توجه الدول إلى تقليص الانبعاثات من قطاع النقل.


مبيعات السيارات الكهربائية في العالم بين 2010-2024 حسب وكالة الطاقة الدولية، آخر تحديث 13 تموز/يوليو 2025 

وتتزايد سوق الطاقة الشمسية بوتيرة عالية عالميّاً، خاصة في دول الشمال العالمي، ومن المتوقع أن تصل قيمتها إلى 607.8 مليار دولار بحلول عام 2030، وهي كذلك تنمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وذلك ضمن التزامات الدول في مؤتمرات الأطراف بزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، ومنها الشمسية.

في هذا السياق، يروّج بعض خبراء القطاع النفطي لادعاءات مضللة، تزعم أن أضرار هذه الحلول تفوق فوائدها، مستندين إلى بيانات غير دقيقة في برامج بودكاست تموّلها جهات نفطية. يستعرض هذا التقرير أبرز تلك الادعاءات لتفنيدها.


هل الألواح الشمسية تتوقف عن العمل بعد انتهاء عمرها الافتراضي؟


أنس الحجي، خبير طاقة سوري الأصل، وأحد  أشهر المؤثرين في قطاع النفط والغاز في العالم بحسب شركة GlobalData في تقرير صدر عام 2019، وهو كاتب في عدة مجلات منها: إندبندنت عربية، وتنشر مقالاته في عدة وسائل إعلامية عربية مثل قناة العربية.


نُشرت أشهر مقابلة له مع "بودكاست فنجان" ضمن إذاعة "ثمانية" السعودية في حزيران/يونيو 2025، وهو من أكثر برامج البودكاست سماعاً في العالم العربي، حيث سجّل رقماً قياسيّاً بإحدى حلقاته أدخلته موسوعة غينيس، ويتابع منصة ثمانية عبر "يوتيوب" ما يقارب خمسة ملايين متابع.


حصلت حلقة أنس الحجي "كيف سيتخلى العالم عن النفط" التي بثتها إذاعة "ثمانية" عبر منصتها في يوتيوب على نحو 900 ألف مشاهدة، فيما وصل عدد المشاهدات على المنشور في منصة (إكس)،  إلى نحو 36 ألفاً، كما حصدت 70 ألف مشاهدة أخرى بعد إعادة نشر على منصة إكس أيضاً، ووصل عدد تحميل تطبيق ثمانية إلى أكثر من 500 ألف تحميل، على Google play، ويتابعها عبر ساوند كلاود أكثر من 30 ألف متابع.


في المقابلة، يدّعي الحجي أنه ليس ضد أي مصادر أخرى للطاقة غير النفطية، لكنّه في الوقت نفسه، استمر طوال المقابلة في التشكيك فيها؛ كالطاقة المتجددة، والسيارات الكهربائية، البديلة لسيارات البنزين.


إجابة عن سؤال المقدّم، يعرّف الحجي الطاقة المتجددة كالتالي: "اسم يُستخدم للتسويق، لأنه ليس هناك شيء اسمه الطاقة المتجددة. أشعة الشمس متجددة، تطلع الشمس، في أشعة شمس، الرياح تعصف، فعندي رياح متجددة، ولكن مشروعات الطاقة الشمسية هي محدودة، أنا موقع عقد مدته 30 سنة، بحيث بعد الـ30 سنة تتوقف الألواح عن العمل بكفاءة وعليّ التغيير أو إيقاف المشروع".


بحسب دراسة منشورة عام 2024، في منصة البحث الأكاديمي التابعة لدار نشر جامعة أكسفورد البريطانية، التي تدور حول مراجعة شاملة لموثوقية وتدهور الألواح الشمسية، فإن التدهور في كفاءة الألواح يتراوح بين 0.2% إلى 3% سنوياً، وذلك بناءً على آليات إخفاق محددة؛ منها تراكم الغبار أو التآكل في مكونات اللوح، موضحةً أن هذه النتائج تُظهر أن الألواح الشمسية الحديثة، خاصة من النوع الأحادي البلورة، تحتفظ بكفاءة عالية حتى بعد عدة عقود من التشغيل، بشرط أن تكون من شركات تصنيع موثوقة وتُركب في بيئات مناسبة؛ أي أن الألواح تعمل بكفاءة لا تقل عن 80% تقريباً بعد 30 عاماً من عمرها التشغيلي.

بدوره، بيّن المهندس سائد السلايمة، استشاري سياسات الطاقة والاستدامة، أن الألواح الشمسية لا تتوقف عن العمل بمجرد انتهاء فترة الكفالة المصنعية، فالرقم المذكور (25–30 سنة) يشير إلى كفالة الألواح الاعتيادية وليس إلى عمرها التشغيلي الفعلي، وليس معناه أننا نحتاج إلى تبديلها.

ومن واقع خبرته الفنية والتقنية، أكد سلايمة أن كفاءة الألواح تنخفض تدريجيّاً على المدى الطويل، لكن في الوقت نفسه، وطالما أن الألواح تعمل ضمن ظروف مناسبة بعيداً عما يقلل كفاءتها كالرطوبة العالية، فالعمر الافتراضي لها قد يتجاوز بسهولة 40 - 60 سنة دون وجود أي مشكلة.

ماذا نعرف عن انبعاثات السيارات الكهربائية؟

تعرّف السيارات الكهربائية (EVs) على أنها تلك التي تحتوي على بطارية بدلاً من خزان الوقود، ومحرك كهربائي بدلاً من محرك الاحتراق الداخلي، وصنعت لتكون التقنية الرئيسية لإزالة الكربون من قطاع النقل البري، الذي يسهم بأكثر من 15% من الانبعاثات العالمية المرتبطة بالطاقة، حسب ما تؤكده وكالة الطاقة الدولية.

استمر الحجي خلال المقابلة بطرق غير مباشرة بالقول إن هناك مبالغات بتقدير أن السيارات الكهربائية ستقلل من الانبعاثات الناتجة عن النقل.


وخلال المقابلة، حاول خبير النفط دعم مزاعمه حول السيارات الكهربائية، وعدم جدواها وقلة عمرها الافتراضي مقارنة بالبنزين، بالقول إنه لم تصنع أي عجلات خاصة للسيارات الكهربائية لتتناسب مع وزنها:


"عندما تغير العجلات في سيارات البنزين تحتاج لفترة ولكن أنت تضطر خلال هذه الفترة لتغيير عجلات السيارات الكهربائية 4 مرات بسبب الوزن، لأنهم عملوا السيارات الكهربائية وما صنعوا العجلات الخاصة فيها التي تتناسب مع الوزن، لساتهم عم يستخدموا العجلات تبعت سيارات البنزين، فهناك استهلاك كبير. هذا الاستهلاك حسب حسبتنا من 2016-2022 زاد استهلاك النفط بمقدار 60 مليون برميل".

تصنف مؤسسة Carbon Brief بالقسم المخصص لتدقيق المعلومات المتعلقة بادعاءات الانبعاثات تحديداً، ادعاء أنه "في البلدان التي تعتمد على توليد الكهرباء بكثافة من الفحم، تكون فوائد المركبات الكهربائية أصغر، ويمكن أن تكون لها انبعاثات مماثلة طوال عمرها الافتراضي مقارنة بالمركبات التقليدية الأكثر كفاءة" بالادعاء المضلل.

بحثنا في مواقع ثلاث شركات تصنّع السيارات الكهربائية، وهي مرسيدس، وتسلا، وفولكس فاجن، ليتبين لنا بعد التحقق أن ادعاءه خاطئ، لأن الشركات الثلاث تقوم بصنع عجلات خاصة  لتتناسب مع سياراتها الكهربائية.

وحسب موقع مرسيدس، فإن عجلات سياراتها الكهربائية، صنعت من مركّبات مطاطية قوية لتعطي تماسكاً أكبر عند القيادة لتحمّل الوزن الأكبر للبطارية. أما عن سيارة فولكس فاجن، فذكرت أن عجلاتها مصنوعة بجنط أكبر مقارنة مع السيارة التقليدية. ولا تختلف سيارة تسلا عن بقية الشركات، فهي أيضاً صنعت عجلات خاصة بسياراتها الكهربائية.

وبالتحقق من صحة حسابه حول ارتفاع استهلاك النفط بسبب ادعائه حول العجلات، لم نجد في مصادر الحلقة ما يدعم هذا الادعاء، فرغم ارتفاع الاستهلاك العالمي للنفط حتى عام 2022، فإن الرقم المذكور غير دقيق ولا دليل يدعمه.

أُسست منصة الطاقة التي يعمل أنس الحجي فيها "مستشار التحرير" عام 2020، ويكتب بها العديد من الخبراء العاملين في المجال النفطي، وهي متخصصة في قطاع الطاقة.

حاولنا التواصل مع أنس الحجي عبر حساباته على مواقع التواصل لغاية الحصول منه على توضيحات، لكننا وجدنا أن الرسائل مغلقة، وطلبنا منه معلومات التواصل عبر التعليق على منشوراته على حسابه "إكس" الذي ينشط عليه، لكنه لم يستجب، كما حاولنا إرسال استفسارات له عبر موقعه الإلكترونيّ ولم نتلقَّ أي رد.

بالتحري أكثر حول أنس الحجي، وجدنا أن ادعاءاته غير الدقيقة لا تقف عند مقابلاته، بل أيضاً عند برامج أخرى يديرها مع ضيوفه في "بودكاست أنسيات الطاقة"، كخبير الطاقة تركي الحمش الذي كان ضيف الحجي في تموز/ يوليو 2024، حيث شغل الأول عدة مناصب في القطاع النفطي السوري، إضافةً إلى عمله خبيراً نفطياً في منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول "أوابك"، والذي يردد ادعاءات مماثلة عن السيارات الكهربائية.

يدعي الحمش خلال الحلقة أن "تصنيع بطارية واحدة لسيارة كهربائية من إنتاج شركة تسلا، بسعة 80 كيلوواطاً مثلاً، يمكن أن ينتج عنه ما يتراوح بين 2.4 و16 طناً من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون".

تواصلنا مع الحمش عبر حسابه الرسمي على فيسبوك، للرد على النتائج التي وصلنا لها، فكان رده  أن معلوماته مستقاة من "بيانات منشورة من قبل Climate Portal الخاصة بمبادرة تغير المناخ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، والمرجع لهذه المعلومة موجود وذكرها  كذلك في دراسة (السيارات الكهربائية، الواقع والآفاق) المنشورة من قبل منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول والتي عمل بنفسه عليها".

بالرجوع لموقع Climate Portal، وجدنا المعلومة بالفعل، لكنها كانت في مقال عُنوِن بتشجيع إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية من مصادر نظيفة، مؤكداً أن "أسوأ" البطاريات تبقى أقل ضرراً من انبعاثات سيارات البنزين.

وأوضحت دراسة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) أنه ورغم أن إنتاج البطاريات يسبب انبعاثات أولية أعلى للسيارات الكهربائية، فإنها تُعوَّض خلال الاستخدام، حيث تصبح تكلفة تشغيل المركبات الكهربائية أقل على المدى الطويل، ودورها يكون أكبر في تقليل التلوث. 

أظهرت نتائج التقرير السنوي لشركة "تسلا" لعام 2021، لتحليل انبعاثات دورة حياة سياراتها مقارنةً بمركبات الاحتراق الداخلي المماثلة في الولايات المتحدة وأوروبا والصين، أن قيادة سيارة تسلا موديل 3 تُنتج غازات دفيئة أقل من حرق البنزين في المناطق الثلاث، حتى مع أخذ التصنيع في الاعتبار، بما فيه البطارية.

كما حصلت تسلا موديل 3 على تقييم شبه مثالي 9.8/10 في تقييمات Green NCAP لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري.


يظهر الشكل أن إجمالي الانبعاثات الكربونية للسيارة الكهربائية على مدار دورة حياتها أقل بكثير من انبعاثات سيارة البنزين، على الرغم من أن انبعاثات تصنيعها أعلى، وفق تقرير أعدته وكالة حماية البيئة الأمريكية (EPِA).


تؤكد منصة Climate Feedback المختصة بتدقيق المعلومات المناخية، أن المركبات الكهربائية بعيدة كل البعد عن انعدام الانبعاثات، إذ يُعدّ توليد الكهرباء وإنتاج البطاريات مصدرين رئيسيين لغازات الاحتباس الحراري. ومع ذلك، فإن العبارة العامة التي تفيد بأن المركبات الكهربائية تنتج انبعاثات ثاني أكسيد الكربون أكثر من المركبات التي تعمل بالديزل ليست دقيقة، ولكن هناك مواقف محددة جداً -ليست هي الأساس- حيث تنتج بعض المركبات التي تعمل بالديزل انبعاثات أقل من بعض المركبات الكهربائية.


أنجز هذا التقرير ضمن مشروعات تخرج "دبلوم أريج لتدقيق المعلومات 2025" للشبكة العربية لمدققي المعلومات (AFCN).