لبنان
شييك: ميرا عيسى، موسى ابوقاعود
يشكّل الرسم الكاريكاتيري في الصحافة اللبنانية مساحة طبيعية للنقد والسخرية السياسية، وهو تقليد راسخ يعبر من خلاله الصحفيون عن آرائهم بحرية. إلا أن هذا الفن، في ظل الانقسامات الحادة التي يعيشها البلد، قد يتحوّل من وسيلة تعبير حرّة إلى منصة تُغذّي خطاب الكراهية وتعزز الصور النمطية التي تستهدف فئات معينة.
تتحوّل بعض الرسوم التي تبدو ساخرة أو مبالغًا فيها إلى أدوات تساهم في تعميق الانقسام وتأجيج المشاعر السلبية، حيث تستغلها أطراف متعددة لترسيخ خطابات عدائية تزرع الكراهية في المجتمع.
في هذا التقرير، اعتمد الفريق على مؤشر «شييك» الذي يتابع الرسومات الكاريكاتيرية ذات الدلالات التي تحمل خطاب كراهية، حيث تم اختيار عيّنة قصدية من المواد المنشورة بين 20 أكتوبر/ تشرين الأول و20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025. وشملت(موقع إندبندنت عربية، الرسام كمال شرف، جريدة الجمهورية، جريدة الشرق الأوسط، ومجلة الدّبور).
فكيف تساهم بعض الكاريكاتيرات بتعزيز الكراهية؟
الكاريكاتير بين النقد و التنميط الجندري
في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2025، نشر موقع "إندبندنت عربية" رسماً كاريكاتيرياً يُظهر مغناطيساً مكتوباً عليه "السلاح" يجذب صواريخ اسرائيلية نحو علم لبنان. هنا
يُظهر الرسم؛ مغناطيساً كُتب عليه "السلاح" يجذب الصواريخ الإسرائيلية باتجاه علم لبنان، في إشارة بصرية واضحة إلى دور السلاح غير الرسمي (سلاح حزب الله) في جذب المخاطر والتهديدات نحو البلاد. يحمل الكاريكاتير رسالة نقدية سياسية، إذ يوحي بأن وجود هذا السلاح يعرّض لبنان لهجمات إسرائيلية ويجعل الأمن الوطني رهينة قرارات جهة واحدة. ومع ذلك، لا يتضمن الرسم عناصر خطاب كراهية بحسب المؤشرات الدولية، لكنه يقترب من الإقصائية بتحميل طرف واحد مسؤولية التصعيد دون إبراز التعقيدات الأخرى للمشهد اللبناني.
موقع "إندبندنت عربية" يعمل بموجب اتفاقية ترخيص مع صحيفة The Independent البريطانية، وتملكه مجموعة الأبحاث والإعلام السعودية (SRMG) منذ إطلاقه عام 2019. هنا
وفي تاريخ 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، نشر موقع "إندبندنت عربية" رسمًا كاريكاتوريًا يصور مشهد خطوبة تقليدية، حيث يقدم الرجل خاتمًا للمرأة التي تبدو متفاجئة. هنا
في الكاريكاتير يصوّر مشهد خطوبة تقليدية، يستخدم الفنان مبالغة بصرية عبر تعبير المرأة المفاجئة والرمز (الريشة مع الخاتم) ليختزل الصورة النمطية حول رغبة النساء في الزواج بطريقة ساخرة ومهينة. هذا التناول البصري يُقصي المرأة من استقلاليتها ويحولها إلى موضوع للسخرية، مما يرسخ مفاهيم التنميط الجندري ويدعم صورًا مجتمعية دونية للنساء. وفق المعايير الدولية، يُعد هذا النمط من الرسوم شكلاً من أشكال الخطاب الإقصائي الجندري الذي يؤثر سلبًا على مكانة النساء ويندرج ضمن أنماط خطاب الكراهية المعاصر.
الرموز كأداة
الرموز في الكاريكاتير تُستخدم كوسيلة بصرية مكثفة تنقل أفكارًا ومشاعر معقدة عبر صورة واحدة، مما يسهل على الجمهور فهم الرسالة بسرعة. تعكس هذه الرموز، كالمبالغة في تعبيرات الوجوه، واستخدام عناصر مثل الخاتم أو الريشة، رسائل نقدية أو ساخرة تعكس وجهات نظر الفنان بطريقة مختزلة وفعالة. لكنها قد تتحوّل إلى أدوات تحقير وتنميط عندما تُستخدم لتجريد الأفراد أو الجماعات من إنسانيتهم وتحويلهم إلى صور نمطية مهينة، مما يحوّل الكاريكاتير من أداة نقد بنّاء إلى خطاب يعزّز الإقصاء والتمييز المجتمعي.
نشر رسام الكاريكاتير كمال شرف في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025 رسما يُظهر شعار قناة MTV اللبنانية مرسوما على جسم كلب يجرّه رجل يرتدي خوذة تحمل نجمة داوود في إشارة إلى أنه إسرائيلي، بينما يظهر بجانبهما سهم خشبي مرسوم عليه علم لبنان في إشارة إلى أن الطريق إلى الأراضي اللبنانية من هذا الاتجاه. هنا
يصوّر الرسم قناة إعلامية على شكل "كلب تابع" لشخص ذي رمزية إسرائيلية، ما يضع القناة في موقع الاتهام بالخيانة. استخدام الحيوان هنا يمثل شكلاً من أشكال التجريد من الإنسانية، ويوثق توظيف الرمز للتحريض ضد مؤسسة إعلامية بأكملها. تجاوز الكاريكاتير مجرد نقد موقف إعلامي، لينتقل إلى شيطنة المؤسسة وتعميم تهمة الخيانة على جميع أفرادها، وهو نمط يندرج ضمن خطاب الكراهية إذا اقترن بتحريض أو إساءة جماعية.
يصنّف الكاريكاتير المنشور في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، الذي يَعرض رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في هيئة بالون يُنفخه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ضمن النقد السياسي الساخر الذي يوظف الرموز البصرية لتسليط الضوء على التأثر أو العلاقة السياسية بين الشخصيتين. لا يرتقي الرسم إلى مستوى خطاب الكراهية، إذ يقتصر على انتقاد فرد سياسي دون تعميم الإهانة أو التحريض ضد فئة اجتماعية أو جماعية، كما أنه يخلو من عناصر التجريد من الإنسانية أو التحريض على العنف.
كمال شرف
هو فنان كاريكاتير يمني وُلد عام 1976 ويشتهر بتوظيف الرسم كسلاح نقد سياسي. يعتمد في رسوماته على الرموز لانتقاد التحالفات المناهضة لمحور المقاومة، انضم إلى منصة "إكس" في عام 2009 ويبلغ عدد متابعيه 203.7 ألف متابع. هنا
تنميط جندري
نشر موقع "إندبندنت عربية" بتاريخ 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025 رسماً كاريكاتيرياً ينتقد الإعلام الاستعراضي عبر تصوير مراسلة تلفزيونية بمكياج مبالغ فيه وملابس قصيرة بألوان زاهية، أثناء تغطيتها مشهداً إنسانياً مأساوياً، في حين يظهر في عدسة الكاميرا المراسلة وهي تقف وسط حديقة. وقع الرسم في نمط التنميط الجندري، إذ انتقل من نقد التغطية الإعلامية إلى انتقاد مظهر المذيعة ووضعيتها الاستعراضية، مما عزز الصورة النمطية القائلة بأن المرأة في الإعلام مجرد وجه جميل بلا مهنية. وفق مؤشرات خطاب الكراهية الدولية، يُعد ذلك شكلاً من الخطاب التمييزي الجندري إذا ساهم في وصم النساء أو تقليل مكانتهن المهنية في المجتمع، خاصة عندما يكون التركيز على المظهر على حساب الكفاءة والموضوعية في الإعلام. الحديقة الظاهرة تشير إلى التضليل وإخفاء الحقيقة، وتكشف ضعف الرسالة الإعلامية أمام المعاناة الإنسانية.
في 11 نوفمبر 2025، نشر أنطوان غانم كاريكاتيراً يُظهر امرأة ممتلئة تحمل أداة طبخ وتطارد رجلاً نحيلاً مسناً، مرفقاً بعبارة ساخرة واستعارة من واقع اجتماعي حول "السلاح الثقيل" داخل المنازل. يحصر هذا الرسم المرأة في صورة نمطية غير عقلانية ودورها المنزلي، ويضاعف التنميط الجسدي والجندري من خلال المبالغة في شكلها واستخدام جسدها للتحقير والسخرية. يُظهر الرسم كيف تُستخدم صورة المرأة في الصراع السياسي أو الاجتماعي كرمز مبالغ فيه أو أداة للتهكم، وهو ما يعكس إشكالية استغلال جسد النساء في الخطاب العام وتغليب الصور النمطية على العدالة والمساواة.
نمط متكرر
تُظهر رسومات جريدة الجمهورية نمطاً متكرراً في نشر خطاب الكراهية. فلقد نشر فريق "شييك" في 17 مايو/أيار 2024 تقريراً بعنوان: "فوق الدكة شرطوطة: رسم كاريكاتير يمثل خطاب كراهية تجاه السوريين" هنا ، تناول رسماً عنصرياً ضد النازحين السوريين مما يعكس استخدام الجريدة للكاريكاتير كأداة لنشر صور تحريضية .
خطاب تحريضي
نشر الفنان الأردني أمجد رسمي بتاريخ 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025 رسمًا كاريكاتيريًا يظهر رجلاً يرتدي ثياباً سوداء ويحمل علم لبنان، واقفًا في حيرة أمام لافتتين متعاكستين: "تفاهم مع إسرائيل" و"تفاهم مع حزب الله". يحمل هذا الكاريكاتير خطاب كراهية بتحقير شريحة من اللبنانيين الذين يعتبرون حزب الله جزءًا من المقاومة، من خلال مساواة الحزب بالعدو الإسرائيلي وتصوير أي حوار معه كخيانة مماثلة للتعامل مع إسرائيل، مما يعزز الانقسام الطائفي ويزيد من حدة التحريض المجتمعي.
مجلة الدّبور
هي مجلة سياسية كاريكاتورية ساخرة أسسها الكاريكاتور اللبناني يوسف مكرزل عام 1922. تصدر عن دار الدبور للنشر.
تهدف المجلة الى نقد الأحداث السياسية من خلال الجمع بين الهزل والجد في محتواها. هنا
يربط رسم 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025 الذي نشره موقع "الدبور" بين جبران باسيل والعنف والإرهاب، حيث يصوره بزي عسكري يحمل سكينًا ويرتبط بعصابة "حزب الله". يستخدم الرسم تقنيات التجريد من الإنسانية بتصوير باسيل بملامح شريرة ورأس كبير وجسم قصير، مما يحوله من سياسي للنقد إلى مجرم يستحق الكراهية. هذا التصوير هو خطاب كراهية واضح لأنه يتضمن تحقيرًا مباشرًا وتحريضًا على الكراهية تجاه شخصية سياسية، مع رسالة ضمنية بأن التحالف مع "حزب الله" يعني التحالف مع الإرهاب.
نشر الموقع في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025 رسمًا كاريكاتيريًا يسخر من خطاب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، عبر إظهاره على شاشة تلفاز موضوعة فوق أربعة صواريخ، مرفقة بتعليق استهزائي. يستخدم هذا النوع من الرسوم السخرية لتقويض شرعية شخصية دينية وسياسية، وربط خطابها بالسياق العسكري والدمار، بما يحمل تعميمات قد تُستغل في تأجيج الانقسام. ورغم أنه يندرج أساسًا ضمن النقد السياسي، إلا أنه قد يقترب من خطاب الكراهية حين يُستخدم لتعزيز ازدراء فئة دينية أو سياسية محددة، أو لتغذية الاستقطاب القائم.
مخالفة مهنية
تُعدّ الرسومات الكاريكاتيرية التي تنشر تحريضاً مخالفة مهنية لأنها تنتهك الكرامة الإنسانية وتؤجّج الانقسامات. الرسومات المعروضة تخالف القوانين اللبنانية وميثاق الشرف الإعلامي الذي نص في المادة 2 على "التزام العمل على تأكيد الوحدة الوطنية والعيش المشترك، والتزام احترام الأديان وعدم إثارة النعرات المذهبية أو الطائفية أو التحريض على العصيان العنيف أو ارتكاب الجرائم والامتناع عن عبارات التحقير". ونصّت المادة 317 من قانون العقوبات اللبناني على: "كل عمل وكل كتابة وكل خطاب يقصد منها أو ينتج عنها إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية أو الحث على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمة يعاقب عليه بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من مئة ألف إلى ثمانمائة ألف ليرة".
خطة عمل الرباط
تنص خطة عمل الرباط على ضرورة مكافحة خطاب الكراهية ومساءلة وسائل الإعلام التي تُحرّض على التمييز، وفقًا للقوانين الوطنية والمعايير الدولية لحقوق الإنسان. تقدم الخطة معايير صارمة لتحديد حدود حرية التعبير والتحريض، مع اختبار من ستة أجزاء يشمل السياق السياسي والاجتماعي، والنية، والمحتوى، ومدى انتشار الخطاب، وأرجحية إحداث الضرر، ما يساعد على تمييز الخطاب المحمي عن خطاب الكراهية المحظور
النتيجة
خلص التقرير إلى أن بعض الرسومات الكاريكاتيرية المنشورة في الصحف اللبنانية حملت دلالات تحريضية ومهينة، ما أسهم في تعزيز خطاب الكراهية ومخالفة الأصول المهنية.