لبنان
شييك : ميرا عيسى
شهدت منطقة عين زحلتا في قضاء الشوف اللبناني، يوم الثلاثاء 4 ديسمبر 2025، حادثة إطلاق نار أسفرت عن مقتل الشاب كميل مطانيوس الخوري على يد شخصين يحملان الجنسية السورية. ولاقت هذه الجريمة ردود فعل واسعة في الأوساط المحلية والإعلامية. ولاحظنا تصاعد استخدام خطاب يتضمن تحريضاً ومواقف سلبية تجاه اللاجئين السوريين عبر منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، مما يشير إلى تأثير الحادثة على المناخ الاجتماعي وتزايد الاستقطاب الطائفي والعرقي.
فكيف تحوّلت جريمة القتل إلى خطاب تحريضي عنصري ضد اللاجئين السوريين؟
التحريض على منصة "إكس"
اعتمد فريق "شييك" على عينة عشوائية من التغريدات بتاريخ 4 ديسمبر 2025، ورصد من خلالها خطاباً عنصرياً وتحريضياً استهدف اللاجئين السوريين في لبنان. تضمنت التغريدات استخداماً متكرراً لألفاظ تحريضية ومواقف تنم عن تمييز واضح تجاه وجود هذه الفئة، مما يعكس تصاعد موجة الكراهية عبر منصات التواصل الاجتماعي في سياق الأوضاع الراهنة. هنا، هنا، هنا، هنا، هنا، هنا، هنا، هنا، هنا
كشف الرصد عن تنوع واسع في أنماط خطاب الكراهية الموجه ضد اللاجئين السوريين، حيث برزت التغريدات في دعوات للترحيل القسري وتعميمات شديدة تحمل جميع السوريين مسؤولية جريمة معينة. وتضمنت عبارات مثل: "ليه السوريين بعدن بلبنان إذا بلدهم صارت آمنة؟"، و"على يد عاملين من التابعية السورية"، و"إلى متى هذا السكوت على تواجدهم"، و"كل أسبوع في جريمة مرتكبها سوري".
يعكس هذا الخطاب تحريضاً وسلوكاً إقصائياً يصور السوريين كمصدر خطر دائم، ما يؤدي إلى إنكار إنسانيتهم وتقويض كرامتهم، ويدعو بشكل صريح أو ضمني إلى تسهيل طردهم من لبنان. تمثل هذه الأنماط نموذجاً واضحاً لخطاب كراهية يستند إلى تعميمات وتبسيطات تضر بالنسيج الاجتماعي وتعزز الانقسامات.
الدلالات المستخدمة
وفق مؤشر "شييك" تحمل العبارات المستخدمة في التغريدات دلالات تحريضية و تمييزية. إذ تعمّم حادثة فردية على مجتمع بأكمله، وتنزع الإنسانية عن السوريين من خلال تصويرهم كخطر أو وباء، وتستهدف جنسيتهم بشكل مباشر، مما يكرّس صورة نمطية سلبية تعمّق الانقسام الاجتماعي.
دور وسائل الإعلام
ساهمت وسائل الإعلام اللبنانية في تصعيد خطاب الكراهية من خلال تبني عناوين ومضامين تحتوي على لغة عنصرية وتحريضية. هذه الممارسات ساهمت في تعميق الانقسامات الاجتماعية ورفع مستوى الاحتقان بين الفئات المختلفة، كما منحت خطاب الكراهية نوعاً من الشرعية الزائفة التي تعزز من انتشار التحريض ضد اللاجئين السوريين. يعكس هذا الاستخدام الإعلامي تحوّلاً نحو توظيف المنصات الإعلامية لتضخيم الأزمات الاجتماعية بدلاً من التخفيف منها، مما يؤثر سلباً على الاستقرار الاجتماعي والتعايش السلمي. هنا، هنا، هنا،هنا،هنا،هنا،هنا،هنا
العناوين أداة للتحريض
قامت معدة التقرير بتحليل العناوين المنشورة بتاريخ 4 ديسمبر وفق "مؤشر شييك" ويكشف التحليل عن استخدام واضح لعناصر التمييز والانقسام في صياغة العناوين الإعلامية. فقد نشر موقعا "ليبانون ديبايت" و"اللبنانية" عنواناً جاء فيه: "جريمة تهزّ معاصر الشوف… سوريّان يقتلان ابن البلدة!"، حيث يفصل العنوان بين "ابن البلدة" كهوية لبنانية ذات قبول عاطفي وانتمائي، و"سوريان" بوصفهما جناة وغرباء، ما يخلق حاجزاً نفسياً بين "نحن" و"هم". هذا التباين يعزز انقسام الهوية ويعمّق الخط الفاصل بين اللبنانيين واللاجئين السوريين.
في المقابل، نشر موقع "ياصور" عنواناً يربط بين المهنة والجنسية في صياغته: "عاملان سوريان ارتكبا جريمة مروعة وقتلا المغدور كميل مطانيوس الخوري". الربط المباشر بين "عاملان" و"سوريان" يعمّق الصور النمطية السلبية عن العمال السوريين، ويدعم وصم هذه الفئة بالمسؤولية عن الجريمة. كما أن تكرار الإشارة إلى الجنسية السورية في بداية العنوان يشير إلى نية ترسيخ هذا البعد كعنصر أساسي في فهم الحادثة.
هذه العناوين تعكس نمطاً من الخطاب الإعلامي الذي يساهم في تأجيج التوتر الاجتماعي عبر استخدام التأطير القائم على الانتماء والهوية، مما يفاقم من الاستقطابات ويساهم في توسيع دائرة التحريض والعنصرية.
فيما استخدم موقع بيروت تايم في تغطيته عبارات تحمل طابعاً عنصرياً وتعميمياً، مثل توصيف الجريمة بأنها "مروعة" والضحية بـ"أحد أبناء البلدة المغدور كميل مطانيوس الخوري"، بينما حُدد الجناة فقط بـ"عاملان من التابعية السورية". يضفي هذا التوصيف بعداً إنسانياً وانتمائياً على الضحية، ويساهم في خلق حاجز نفسي بين "نحن" و"هم" عبر اختزال الجناة في مهنتهم وجنسيتهم، مما يعزز التعميم والتحريض.
في سياق مشابه، نشر موقع بنت جبيل عنواناً يشدد على التفرقة، بوصف الضحية بـ"المواطن" والجناة بـ"التابعية السورية"، ما يعزز الإحساس بالتمييز والاغتراب، ويحوّل الجنسية إلى وصمة مرتبطة بالجريمة.
هذه الأساليب في صياغة العناوين تضاعف من خطورة خطاب الكراهية عبر استثمار الفوارق الهوية لتعميق الانقسامات الاجتماعية.
ونشرت راديو صوت لبنان خبراً جاء فيه: "أدّت إلى كشف هوية منفّذي الجريمة، وهما عاملان من التابعية السورية" استخدام مصطلح "منفذين" ينزع الإنسانية عن الجناة، والربط الثلاثي بين "منفذين"، "عاملان"، و"التابعية السورية" يخلق تنميطاً مركباً يحوّل الجريمة الفردية إلى قضية هوياتية تغذي التعميم والكراهية.
المعايير المهنية
ارتكبت وسائل الإعلام اللبنانية أخطاءً مهنية في تغطيتها لحادثة قتل كميل الخوري، منتهكةً أخلاقيات المهنة و ميثاق الشرف الإعلامي الذي نصّ في المادة الثالثة على :" حرص وسائل الإعلام اللبنانية على رفض مبادئ التمييز العنصري والامتناع عن التعرض بطريقة مباشرة أو غير مباشرة للطعن بكرامة الناس، وعدم التدخل في شؤونهم الشخصية أو الخاصة، وعدم التجريح بهم".
فتمثلت التغطية بالتركيز المفرط وغير المبرر على جنسية الجناة، حيث تم إبراز "التابعية السورية" في العناوين والمقدمات بشكل متكرر رغم عدم وجود ضرورة صحفية لذلك، مما حوّل الجنسية من معلومة ثانوية إلى عنصر محوري في السردية الإعلامية.
واستخدمت لغة درامية عاطفية مثل "مروّعة"و "المغدور"، تهدف إلى تأجيج المشاعر بدلاً من نقل الحقائق بموضوعية، مما ساهم في خلق حالة من الاحتقان الاجتماعي.
والمقابلة التمييزية بين "ابن البلدة" اللبناني و"العامل السوري"، خلق تصنيفاً هوياتياً يعزز الانقسام بين "نحن" و"هم" ويغذي الخطاب العنصري.
التزامات لبنان الدولية بحماية اللاجئين
يخضع لبنان لالتزامات دولية واضحة تجاه اللاجئين السوريين على أراضيه، حيث ينص الدستور اللبناني على الالتزام بمواثيق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. رغم عدم توقيع لبنان على اتفاقية جنيف للاجئين لعام 1951، إلا أنه ملزم بمبدأ عدم الإعادة القسرية كجزء من القانون الدولي العرفي، الذي يمنع إعادة اللاجئين إلى أماكن قد تتعرض فيها حياتهم للخطر. كما يلتزم لبنان باتفاقية مناهضة التعذيب التي تحظر طرد أو تسليم أي شخص إذا كان معرضاً لخطر التعذيب.
تفرض هذه الالتزامات على لبنان مسؤولية حماية اللاجئين من خطاب الكراهية والتحريض الذي قد يؤدي إلى العنف، وضمان محاسبة مرتكبي الجرائم بشكل فردي دون تحميل اللاجئين مسؤولية جماعية. ويُعتبر تصاعد خطاب الكراهية ضد السوريين انتهاكاً لهذه المعايير الدولية ويعرض لبنان للمساءلة أمام المجتمع الدولي.
عدم التمييز وفقاً لحقوق الإنسان
نصّت المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن:"لكلِّ إنسان حقُّ التمتُّع بجميع الحقوق والحرِّيات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أيِّ نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي سياسيًّا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أيِّ وضع آخر".
ونصّت المادة السابعة من الإعلان:"الناسُ جميعًا سواءٌ أمام القانون، وهم يتساوون في حقِّ التمتُّع بحماية القانون دونما تمييز، كما يتساوون في حقِّ التمتُّع بالحماية من أيِّ تمييز ينتهك هذا الإعلانَ ومن أيِّ تحريض على مثل هذا التمييز".
بالإضافة إلى ذلك، يلزم العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية - الذي وقّعه لبنان - الدول الموقعة بحماية حق العمل وحق ظروف العمل الآمنة لجميع اللاجئين دون تمييز.
إن التعميم العنصري والتحريض على العنف ضد اللاجئين السوريين لا ينتهك فقط كرامتهم الإنسانية، بل يهدد أيضاً حقهم الأساسي في الأمن والحماية، مما يستوجب تدخلاً فورياً من السلطات اللبنانية لوقف هذه الانتهاكات.
خطة عمل الرباط
تعد خطة عمل الرباط إطاراً أساسياً لتحديد الفاصل بين حرية التعبير والتحريض على الكراهية. ويتم ذلك من خلال اختبار سداسي العناصر يشمل: السياق، والنية، والمحتوى، ومدى الانتشار، واحتمالية الضرر، والعلاقة بين الخطاب والضرر.
النتيجة
يظهر التقرير تحوّل جريمة مقتل كميل الخوري إلى حملة كراهية ضد اللاجئين السوريين، مدفوعة بتغطية إعلامية وتحريض على وسائل التواصل، ومخالفة للمعايير المهنية وحقوق الإنسان.